ألمح في الساحات اللبنانية، منذ اليوم الأول للثورة، إرهاصات تغيير تاريخي عنوانه : زمن الديناصورات الطائفية والسياسية انتهى وزمن الأحلام المشروعة بات في متناول اليد.
للثوار في كل الساحات أقول كونوا واقعيين واطلبوا المستحيل. أنتم لا تدهشون لبنان فقط وإنما تدهشون العالم.
ويقيني أن ما حققته انتفاضة أيار 1968 قبل خمسين سنة في فرنسا يمكن أن يتكرر في لبنان. لبنان وطن يستحق الحياة، وما تشهده الشوارع فعل حياة جديدة.
اللبنانيون اليوم أحياء بقوتهم الذاتية وإرادتهم الصلبة، والفوضى التي أحدثوها في وطنهم حركة مبدعة من خارج الهرمية والسلطوية، وإنجاز تحرري بكل معنى الكلمة.
ما يحدث كل يوم إنقلاب حقيقي على التواطوء المزمن بين السلطة الدينية والإقطاع السياسي ورجال المال والأعمال والمنظومة الأمنية التي تتحكم بلبنان.
وكما كانت انتفاضة أيار الفرنسية تمردا على سلطة شارل ديغول “الأبوية “، فان الثورة التشرينية في لبنان تمرد صارخ على كل السلطات “الابوية ” السياسية والطائفية، وكل الوصايات الداخلية والخارجية.
لبنان اليوم يشتعل بأحلام شبابه الذين يزخرون بحس تغييري مذهل وطموحهم أن ينجزوا في أسابيع قليلة ما لم ينجزه آباوءهم وأجدادهم في قرن كامل. هوءلاء الشباب أدخلوا إلى القاموس اللبناني وإلى مخيلة الحكام الضيقة شيئا يشبه المعجزة هو “فلسفة توسيع حقل الممكن ” وأسقطوا في التعاطي مع أنفسهم ومع المهووسين بالسلطة كل أشكال المستحيلات .
ببساطة نقول إن لبنان كان حتى الآن طبقتين ، الأولى تنتج والثانية تسطو على هذا الإنتاج وتورث أبناءها وأحفادها السلطة والثروة وكل الإمتيازات التي اغتصبتها على امتداد عقود طويلة. ثوار الساحات أسقطوا هذه المعادلة ومعها اللصوص الذين يحكمون لبنان.
ما يشهده لبنان اليوم شيء حقيقي، ومزيج رائع من القلق المشروع والفرح اللامتناهي بعد حقبة طويلة من العقم والزيف وكأن التطوير والمعاصرة محرمان على لبنان.
تشرين 2019 حتمية لا رجوع عنها محكومة بالإنتصار. وأقول للتشرينيين ما قاله الشاعر الياباني سانكيشي توجي: أيها الصغارلا تصمتوا، تكلموا، قاوموا الكبار في العالم كله.
أيها التشرينيون ، لقد منعتم الممنوع إلى لبنان هويته الأصيلة وكرامته المنسية. حسكم التغييري قفزة حضارية مذهلة، وقد حققتم في أيام ما عجز “لبنان الكبير” بحكامه الصغار عن تحقيقه، ومسحتم من ذاكرة الوطن كل الحروب الأهلية الدموية التي أشعلوها.
أكملوا.
رسالتي إلى “التشرينيين”
by
Tags: