مسيحيو لبنان … إن حكوا

الإستحقاق الرئاسي أفرز حتى الآن ثلاثة توجهات في الوسط المسيحي اللبناني : التوجه اليائس ، التوجه الفدرالي ، والتوجه الذي لا يزال يراهن على الميثاقية … علما أن الفدرالية تنتعش على وقع ” الداعشيات ” الجديدة .
والتوجهات الثلاثة يمكن تلمسها في ضوء مجموعة حقائق تتصل بمسيحيي لبنان ومستقبلهم القريب والبعيد ، بقدر ما تتصل بالحرب الأهلية الإسلامية – الإسلامية في المدى الاقليمي .
الحقيقة الأولى التي باتت نهائية هي أن ميثاق 1943 الذي أسس لصيغة التعايش المسيحي – الأسلامي حتى العام 1975 سقط الى غير رجعة . أما ميثاق الطائف الذي حول رئيس الجمهورية من رئيس للسلطة التنفيذية بصلاحيات واسعة ، الى رئيس للدولة بصلاحيات محدودة ، فانه معطل منذ ولادته قبل ربع قرن .
الأزمات التي رافقت تطبيق الطائف ، منذ العام ١٩٨٩ ، والتي تتجدد مع كل تشكيلة حكومية وكل انتخابات رئاسية ، وكل استحقاق مصيري ، هي الدليل القاطع على الخلل الفاضح الذي أصابه منذ ولادته ، واليوم يترسخ اقتناع مفاده أن الصيغة الميثاقية معطلة ، وأن الحرب الأهلية الأخيرة التي بدأت في العام 1975 ، لم تنته بعد .
الحقيقة الثانية هي أن المسيحيين فقدوا خلال المرحلة الأستقلالية ، وعلى مراحل ، موقعم في هرمية النظام كما في تركيبة الجمهورية …تحت راية التعايش الذي اسمه الآخر النفاق المتبادل .
في ظل دستور الطائف وموجبات الميثاق ، خسر المسيحيون صلاحيات الرئيس المسيحي ، وبفعل الأستنساب في تطبيق هذا الدستور ، خسروا ما تبقى لهم من ضمانات . رئيس الحكومة اليوم هو رئيس الدولة ورئيس السلطة الأجرائية في آن ، وفائض القوة عند الشيعة حول الطائفة ككل الى خط أحمر لا يمكن تجاوزه في أي قرارسياسي أو اقتصادي أو أمني كبير .
الحقيقة الثالثة هي أن أزمة المسيحيين في لبنان هي في النهاية أزمة لبنان الوطن وهي ليست معزولة عن الأعصار الذي تعيشه المنطقة والذي يدفع ثمنه المسيحيون والمسلمون في آن . أول تجليات هذا الأعصار بدأ في مطلع التسعينيات من القرن الفائت عندما تأسس تقاطع بين سوريا والولايات المتحدة تحت عنوان ” الحرب على صدام ” . بعد أشهر من هذه الصفقة دفع المسيحيون الثمن . واليوم نلمح مؤشرات توافق بين الولايات المتحدة وايران تحت عنوان ” الحرب على الأرهاب ” ، فهل يسقط الطائف السعودي هذه المرة لمصلحة ” طائف ايراني ” يدفع ثمنه مجددا المسيحيون اللبنانيون ؟
في الرد على هذا السؤال يمكن القول ان مؤسسات دستور الطائف السعودي – اذا صح التعبير – معطلة أو شبه معطلة ، وأن حزب الله يتصرف على هذا الأساس ، بدليل أنه يطلق بين الحين والآخر الدعوة الى مؤتمر تأسيسي جديد . لكن الحوار الأيراني – الأميركي ، واستطرادا الأيراني – السعودي ، لم يستقر حتى الآن على تركيبة أمنية استراتيجية واضحة المعالم، والسبب مزدوج وهو أن حرب سوريا مفتوحة، كما أزمة اوكرانيا ، والملف النووي الأيراني لم يتلمس بعد نهاياته المرجوة .
في انتظار أن تتعرب الخيوط ، يقول العارفون من المسيحيين أن العام 2014 هو عام الولوج الى النفق ، ذلك أن العوامل التي أملت الطائف السعودي انتهت ، وظروف الطائف الأيراني لم تنضج بعد . وأفضل الأسوأ – ان كان متاحا – هو أن يتمكن لبنان من حماية الحد الأدنى من تماسكه .
قيادي مسيحي بارز قال لي قبل أيام : ان مشكلة مسيحيي لبنان ، اليوم كما بالأمس ، أنهم في طلاق مع التاريخ .الرؤية معطلة لدى صانعي القرار المسيحي ، وبخلاف ما كان الأمر في بدايات القرن الفائت ، يقف المسيحيون اليوم على منعطف بالغ الخطورة ، رغم المكاسب التي حققتها الصيغة الميثاقية بعد اغتيال رفيق الحريري ، لأنها أدت الى”تلبنن” الأغلبية الساحقة من سنة لبنان ، وأطلقت آمالا واسعة بأمكانية احياء الصيغة الميثاقية .
القيادي نفسه أضاف : في انتظار أن يقرر المسلمون اللبنانيون ، سنة وشيعة ، أن لبنان القوي المستقل عن المحاور الخارجية ، حاجة عربية حقيقية ، تستقر دولة الطائف في محطة التجاذبات . ولعل المطلوب في هذه اللحظة ، أن يتصالح الموارنة اللبنانيون مع أنفسهم ومع حركة التاريخ ، فلا يتوزعون بين مرشحين يراهنون على سوريا أو ايران ، وآخرين يراهنون على السعودية والتحالفات الغربية ، لأن المعادلة التي تسمح بتوافق إيراني – سعودي – روسي – أميركي لم تولد بعد.


Posted

in

by