شيء ما يحدث بين باريس وواشنطن في الفترة الأخيرة يتفق المراقبون على وصفه بـ«التباينات».التباين الأول ظهر في دعوة الرئيس بشار الأسد الى باريس لحضور قمة «الاتحاد من أجل المتوسط» والمشاركة في العيد الوطني الفرنسي. يومها «بلعت» واشنطن الدعوة بعدما سجلت عليها اعتراضا واضحاً.لماذا؟لأن دمشق والرئيس السوري تحديداً لم تدخل بعد «القفص» الأميركي في المنطقة الذي يضم حلفاء بوش في السراء والضراء «مجموعة التسعة» التي لبّت دعوة رايس قبل ايام لاجتماع في أبو ظبي للبحث في افضل السبل في محاصرة ايران.ولأن دمشق لم تلبّ حتى اللحظة مطالب كولن باول الشهيرة €2001€ التي تبدأ بالتخلي عن كل المقاومات اللبنانية والفلسطينية والعراقية… والايرانية والاصطفاف وراء المشروع الاميركي في المنطقة الذي يبدأ هو الآخر بتدجين افغانستان وينتهي بتفتيت السودان مروراً بتقسيم العراق.وحتى الأمس القريب جداً كانت واشنطن تعارض اي تفاوض مباشر او غير مباشر بين دمشق وتل ابيب لكن نجاح سوريا في كسر جدار العزلة الذي حاولت الادارة الأميركية فرضها وأبرز تجلياتها عودة الأوروبيين الى قصر المهاجرين . زيارة ساركوزي في أيلول(سبتمبر) احدثت تحولاً او بداية تحول في الموقف الاميركي يحتمل ان يقود قريباً الى طي الصفحة القديمة خصوصاً اذا وصل المرشح الديمقراطي الى البيت الأبيض.وفي اقتناع الدبلوماسيين الاسرائيليين ان الأميركيين لا يستطيعون تجاهل هذا التطور وقد بات لزاما عليهم ان يعيدوا النظر في «ثوابتهم» الكولن باولية اذا كانوا حرصاء على استمرار دورهم الاقليمي. وقد نقلت «جيروزاليم بوست» الاسرائيلية عن دبلوماسي اسرائيلي قوله: ان اسرائيل تتحدث مع السوريين والفرنسيين في طريقهم الى دمشق والأسد وجّه رسائل مطمئنة في ما يتعلق بلبنان وبالتالي لم يعد في وسع واشنطن تغييب نفسها عن المشهد الجديد.الدبلوماسي نفسه لفت الى ان موقف واشنطن تجاه سوريا كان دائماً أقل تشدداً من موقفها تجاه ايران بدليل أنها أبقت على سفارتها في دمشق وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع طهران.نتوقف هنا عند مسألة قد تغيب عن بال الكثيرين وهي ان التحرك الأميركي الجديد يندرج في اطار خطة جمهورية انتخابية ترمي الى سحب البساط من تحت قدمي المرشح الديمقراطي باراك اوباما الذي يدعو الى الانسحاب من العراق والتواصل مع سوريا وايران.والمسألة تتعلق أيضا بل أولاً بعدم اعتراض اسرائيل على أي لقاء سوري أميركي في عز الموسم الانتخابي بعدما رفعت دمشق «الفيتو» الاسرائيلي عبر المفاوضات غير المباشرة التي تطوعت لها أنقرة.
أين كنا؟كنا نقول ان هناك تباينات بين باريس وواشنطن يمكن معاينتها في لبنان وسوريا والعراق… وحتى في بعض اطراف المتوسط. والاختراق الفرنسي الأخير اذا جاز التعبير هو بمثابة تأكيد فشل المقاربة الأميركية في التعاطي مع سوريا كما مع ايران وهو فشل بدأت الدبلوماسية الأميركية تعترف به سراً وعلناً.نلمس هذا الاعتراف في لقاء ديفيد ولش مساعد رايس مع رياض الداوودي المستشار القانوني للخارجية السورية وكبير المفاوضين السوريين في المحادثات غير المباشرة مع اسرائيل. كما نلمسه في تحركات مجموعة عمل سوريا الولايات المتحدة في اطار البحث عن ارضية مشتركة على خط دمشق واشنطن رغم تطوع المتحدثين الرسميين في الادارة الاميركية لوصف مثل هذه التحركات بأنها «روتينية» لا تعبر عن تغير في السياسة الأميركية تجاه سوريا.ونلمس هذا الاعتراف ايضاً في تحوّل حلفاء واشنطن اللبنانيين عن خطها الانتحاري في المنطقة وتسليمهم باتفاق الدوحة واستحقاقاته على الصعيد الحكومي بصورة خاصة وهو اتفاق مرشح لأن يرسم في الأشهر المقبلة خريطة سياسية بديلة في لبنان.نعود الى البداية.في البداية قلنا ان ثمة شيئاً يتبدل في المقاربتين الاميركية والأوروبية على مستوى معالجة ملفات المنطقة الساخنة والباردة معاً ولو أن مناورات برايمستون توحي بالعكس.الصيف الشرق اوسطي بارد إلا في أفغانستان وعلى الحدود العربية الافريقية. وهدير السفن الأميركية والبريطانية والفرنسية لا يصل الى ضفاف المتوسط.