هواة الانترنت يتبادلون هذه الأيام رسالة تتوقف عند «مصادفات الاسماء والألقاب الوزارية في حكومة السنيورة الجديدة». الرسالة تقول انها حكومة «دفاعها مر, وداخليتها بارود, صحتها خليفة, وطاقتها طابور, تربيتها بهية, وثقافتها سلام, عدلها نجار, وماليتها شطح, بيئتها كرم, ولمهجريها… عودة».
وسواء تحسنت وسائل الدفاع ووضع بارود الداخلية في مسار جديد, وسواء تحسن الوضع الصحي أم لم يتحسن, واستوى العدل أم لم يستو, وعالج شطح مشكلة المديونية أم تركها للأجيال المقبلة… وسواء عاد المهجرون مع عودة أم لم يعودوا, فإن هناك مفارقة لا يمكن تجاهلها وهي أن لبنان الرسمي في واد ولبنان الناس في واد آخر.
هذه المفارقة تكاد تكون عنوان الـ18 سنة الأخيرة من عمر الوطن الذي يملك ارضاً ولا يملك دولة, ويملك مقاومة ولا يملك جيشاً, ويملك رئيساً وحكومة وبرلماناً ولا يملك مؤسسات معاصرة.
الفترة الأخيرة بصورة خاصة كشفت كل عوراتنا دفعة واحدة, وقبل أن تبدأ الألعاب الاولمبية كنا قد حققنا ثلاث «بطولات» أو أرقام قياسية هي في حجم «انجازات» كبرى.
الرقم القياسي الأول سجلناه في انتخاب رئيس الجمهورية. لأول مرة في التاريخ المعاصر تتم عملية الانتخاب في غضون ستة اشهر لمدة ست سنوات, بعد 19 تأجيلاً لجلسة الانتخاب, بعدما دخلت اكثر من 19 دولة عربية وغير عربية وسيطاً في «العملية الديمقراطية».
الرقم القياسي الثاني سجلناه في مشاورات تشكيل الحكومة, التي استغرقت ثلاثة اسابيع, وانتهت الى صيغة توافقية يتوافق فيها وزراء الاكثرية والمعارضة على كل شيء إلا التوافق.
الرقم القياسي الثالث سجلناه في عملية صياغة البيان الوزاري التي استغرقت بدورها ثلاثة اسابيع من الأخذ والرد, والشد والجذب, و14 اجتماعاً €آخرها يوم الجمعة الفائت€ للتفاهم على كلمة واحدة: المقاومة, علماً أن المقاومة سوف تشكل العنوان الاساسي في جلسات الحوار التي يفترض ان تعقد في القصر الجمهوري لتستهلك خلال اسابيع او اشهر السنة الاولى من عمر العهد.
ألا نستحق على هذه «الانجازات» ميداليات ذهبية اولمبية؟
هذا على المستوى الحكومي, والأرقام القياسية لا تتوقف في هذا المضمار.
فقد سجل لبنان منذ الاستقلال حتى اليوم, عدداً لا يحصى من الازمات الحكومية والحروب الاهلية والمشاحنات الى حد أنه قيل ان قيامه كدولة مستقلة في الاساس كان «خطأ تاريخياً» لأنه ليس قادراً على حكم نفسه بنفسه.
وعلى مدى السنين «الاستقلالية» سجل لبنان رقماً قياسياً في اعداد المهاجرين الذين يبحثون عن الرزق في قارات العالم الخمس, بدءاً بصحارى الخليج وانتهاء بالصحارى الافريقية, من دون ان ننسى الشوارع الاوروبية الباردة, والشوارع الاميركية الباردة والحارة.
وبعد تسجيل الارقام القياسية في الخناقات والهجرة والتهجير, سجل لبنان على مدى الـ18 سنة رقماً قياسياً بامتياز هو رقم الدين العام, على يد حكومات المرحوم رفيق الحريري وكل «الحريريين» الذين تعاقبوا على السرايا الحكومية بعد وفاته.
45 مليار دولار, أقل أم أكثر, لم يعد أحد يعرف. مليارات استعرناها بفوائد مرتفعة في الداخل والخارج, فكبرت مصارفنا وصغر الوطن الذي يرضخ الآن لكل انواع الضغوط السياسية والاغراءات, مرة باسم توطين الفلسطينيين ومرات باسم اعادة هيكلة المنطقة كي تدخل بآبارها وجبالها وصحاريها ومئات ملايينها في خرم الابرة البوشية.
اليوم يلوحون لنا بامتصاص ربع ديوننا او ثلثها في أحسن الحالات مقابل مشاريع مشبوهة لا ناقة لنا فيها ولا جمل, تنطلق من مبدأ «مكافأة» الدول المضيفة للاجئين, من اجل تمكين اسرائيل من البقاء ومن التوسع ومن الهيمنة.
أليس هذا في النهاية مشروع «الشرق الأوسط الكبير», تكبير اسرائيل كي تتعملق وتبتلع كل هذا الشرق؟
السؤال سخيف.
سخيفة اكثر ارقامنا القياسية منذ بدء العهد الجديد.
هل انه جديد فعلاً؟