مرة أخرى أعطى العرب الدليل على أنهم لا يجيدون التعامل مع الرأي العام الدولي, ولا يجيدون توظيف القرارات الدولية في خدمة قضاياهم العادلة, وأنهم منقسمون حول الملفات المصيرية داخل بلدانهم كما في المحافل الدبلوماسية.
مؤتمر «دربان 2» كان يمكن ان يكون عربياً بامتياز, لو ان الوفود العربية المشاركة استطاعت توظيفه في تسجيل موقف تاريخي عن طريق الامتناع عن توقيع البيان الختامي الذي صدر من دون اشارة واضحة الى «ضحايا العنصرية» الاسرائيلية, و«جرائم الحرب» التي ارتكبها الاسرائيليون.
المؤتمر جاء والعالم كله لا يزال يعيش على وقع الممارسات الاسرائيلية في غزة وما ارتكب فيها من جرائم, وكان يمكن ان يشكل فرصة لاحياء قرار الأمم المتحدة الرقم 3397 للعام 1975 الذي اعتبر الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية, وهو القرار الذي عادت الجمعية العمومية وألغته بقرار آخر يحمل الرقم 86’46 بتاريخ 16’12’1991, وللأسف بموافقة معظم الدول العربية.
ولأن اسرائيل كانت متخوفة من احتمال ادانتها وبقوة, فقد استبقت الأمر وأعلنت مقاطعة المؤتمر, في الوقت الذي ضغطت واشنطن والعواصم الاوروبية لتعديل الوثيقة التحضيرية التي اعدت له تحت عنوان «متحدون ضد العنصرية: الكرامة والعدالة للجميع».
التحرك الاسرائيلي كان جاداً, والتحرك العربي كالعادة لم يكن كذلك, ونجحت الجهود الاميركية والأوروبية في تعديل الوثيقة التحضيرية وفي اختصارها من 63 الى 17 صفحة, بعدما اسقطت منها كل اشارة الى اسرائيل او القضية الفلسطينية, الامر الذي يشكل تراجعاً كبيراً عن مقررات «دربان1».
للتذكير نقول ان «دربان1» الذي انعقد في جنوب افريقيا في العام 2001, بناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة, اثار قضايا احرجت الغرب واستفزت اسرائيل, وأكد الاعتراف «بحق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير مصيره وبناء دولة مستقلة», وسلم في الوقت نفسه «بحق اللاجئين في العودة الطوعية الى ديارهم وممتلكاتهم بكرامة وأمان» وحث الدول المعنية على تيسير هذه العودة.
المهم ان ما حققه «دربان 1» من نجاحات سقط في «دربان2», لأن العرب لم يستنفروا جهودهم وصداقاتهم في انجاح المؤتمر, ولأنهم وقعوا البيان الختامي من دون ان يشكلوا جبهة للضغط على الغرب وعلى اسرائيل.
نذكر هنا انها ليست المرة الاولى التي يهدر فيها العرب الفرص الكبيرة, وبالمناسبة نسأل: ما الذي حصل لقرار محكمة العدل الدولية بشأن جدار الفصل العنصري؟ ما هو مصير قرار مجلس الامن الرقم 1515 الذي يكرس حق الفلسطينيين في دولة مستقلة؟ لماذا سمح العرب بالعودة عن القرار 3379 الذي يعتبر الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية؟
الجواب ربما هو ان عشرات القرارات الدولية صدرت ولم تنفذ ‘تماماً مثل قرارات القمم العربية’, هذا صحيح لكن ما الذي يمنع تشكيل جبهة عربية اسلامية دولية عريضة لمواجهة الموقف الاميركي الاسرائيلي, وما الذي يمنع ان يمارس العرب على الاقل حق «الفيتو» على القرارات الدولية التي لا تراعي مصالحهم, تماماً كما يفعل الاسرائيليون, علماً ان الفرق كبير بين شرعية القرار العربي وشرعية القرار الاسرائيلي؟
ان القدرة العربية على صناعة القرارات الدولية لا تزال محدودة, رغم ان أقنعة غربية كثيرة سقطت في المرحلة الاخيرة, ورغم ان السياسات الاميركية باتت عبئاً على الاميركيين انفسهم. ثم ان لدى العرب ذخيرة تاريخية من مئات القرارات التي تصب في مصلحتهم, فلماذا لا يستنفرون انفسهم واصدقاءهم من اجل دفعها الى التنفيذ؟
ما يحدث حتى الآن ان اسرائيل بنت دولتها وانتصاراتها وطموحاتها على «كذبة مقدسة» هي الهولوكوست, في حين ان العرب خسروا فلسطين وخسروا الارض والمقدسات, وفي الوقت نفسه كراماتهم وقدرتهم على التأثير, رغم ان حقوقهم ومقدساتهم اكثر من حقيقة تاريخية.