بين 18 نيسان (ابريل) 1955، تاريخ ولادة حركة عدم الانحياز في باندونغ، و15 تموز (يوليو) 2009 تاريخ انعقاد القمة الخامسة عشرة للحركة، في منتجع شرم الشيخ، ستة عقود بدلت وجه العالم، وغيرت هويات معسكراته السياسية والعسكرية عشرات المرات.
هذه التبدلات تملي عدداً من الاسئلة التي لا يجادل فيها أحد، حول مبرر استمرار هذه الحركة، وموقعها في الفضاءات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية الجديدة، ودورها في المرحلة المقبلة.
محطة باندونغ الاندونيسية كانت واضحة المعالم: البحث عن موطئ قدم لدول العالم الثالث في عالم تحكمه الحرب الباردة، ومحاولة تحقيق الحد الادنى من التوازن مع القوى العظمى او القطبين الاعظمين… واللعب على تناقضات هذين القطبين في حماية القرار المستقل على مستوى الكيانات السياسية الصغيرة.
يومذاك وقف جمال عبد الناصر وجواهر لال نهرو وجوزيف بروز تيتو وأحمد سوكارنو ليقولوا: نحن هنا والساحة ليست حكراً على الكبار، واللاانحياز في الحرب الباردة قوة… ولنا الحق، كل الحق، في ان نبحث عن اطار تضامني في وجه الدول الكواسر، يحمي حقوقنا وشعوبنا ومستقبلنا.
المحطة الثانية يمكن تأريخها بغياب القيادات الفاعلة في الحركة، التي كانت تتمتع بكاريزما سياسية خاصة، وحيوية وفاعلية وحضور دولي. مع هذا الغياب حدث التصدع الاول في بنيان عدم الانحياز القوي.
المحطة الثالثة بدأت بخلافات جوهرية تلامس حد التناقض احياناً بين المصالح الوطنية والقومية من جهة، ومفهوم التضامن مع بلدان العالم الثالث، كانت الغلبة فيها للكيانية لا للأممية.
المحطة الرابعة بدأت مع انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين، عندما قفز العالم فجأة من نظام الثنائية القطبية الى نظام الاحادية والرأس الواحد، بكل ما تعنيه هذه القفزة من تبدل الاولويات ومفردات الصراع والاهداف القريبة والبعيدة.
المحطة الخامسة يمكن تأريخها بانتهاء الحقبة الاستعمارية بمفهومها التقليدي، من الاحتلال المباشر الى الاحتلالات غير المباشرة، وانتهاء الحقبة العنصرية في جنوب افريقيا وناميبيا، وانحسار حركات التحرر الافريقية والآسيوية، الامر الذي افقد قوة «عدم الانحياز» الكثير من مبررات وجودها.
المحطة السادسة تبدأ من التحولات الجديدة التي يشهدها العالم، والتي تتمثل بتعملق القوى الناشئة الجديدة، كالصين والهند واليابان والمانيا… فضلا عن عودة الحقبة الروسية، وهذا يعني ان القوة العظمى الوحيدة باتت تواجه مجموعة قوى عظمى غير منحازة الا الى مصالحها الوطنية والقومية.
والمحطة السادسة تتمثل في الاستعمارات الجديدة التي نشهدها، في افغانستان والعراق، فضلاً عن اقدم استعمار في التاريخ الذي يتمثل في اغتصاب وتفتيت وتهويد فلسطين.
والسؤال: لماذا تعود دول عدم الانحياز الى الاجتماع؟ ما هي المنطلقات التي تملي هذا التلاقي؟ وما هي الاهداف التي يسعى اليها اللامنحازون؟
الرئيس الكوبي راوول كاسترو يقول ان المطلوب التأسيس لهيكل مالي واقتصادي جديد بعد الازمة العالمية الاخيرة التي عصفت بالعالم.
الرئيس المصري يقول ان الحركة حققت الكثير في الماضي ولا بد من ان تحقق الكثير في المستقبل… وما لا يقوله هو ان مصر ما بعد رحلة القدس وكامب ديفيد والسلام مع اسرائيل تبحث عن دور اقليمي ودولي لم تهتد اليه حتى الآن.
وحده معمر القذافي شكل بوصلة المؤتمر الخامس عشر، ورسم الطريق الى مستقبل الحركة.
وصار للامنحازين قضية.
ومؤتمر طهران المقبل يفترض ان يواكب بقوة هذه القضية.
قبل ان نقول: كل حركة عدم انحياز وأنتم بخير!