مرة اخرى نحن امام وضع يصح وصفه بـ«الفوضى المنظمة».
انه اليمن الذي يقف باستمرار على شفير الانهيار، ويعاني مشاكل اكثر من حقيقية، لا يعالجها اللاعبون الدوليون إلا بالمورفين.
وابرز هؤلاء اللاعبين، كما هو معروف، واشنطن والرياض.
والاشهر الاخيرة كشفت، بما لا يقبل الجدل، عن مجموعة حقائق دفعة واحدة، وكلها من النوع المخيف.
الحقيقة الاولى ان اليمن دولة فاشلة، اشبه ما تكون بالصومال او افغانستان، يتوقع لها جميع المراقبين، وزراء ونواباً وعمال اغاثة وصحفيين واستراتيجيين، انهياراً وشيكاً، ليس فقط بسبب تمرد الحوثيين في الشمال، وتمرد «الحراك الجنوبي» على خلفية المظالم التي لم تسوّ منذ إعادة توحيد البلاد… وانما لأن اليمن يعيش صيغة قديمة للسلطة، ويحاول استنباط نمط جديد للحياة، هو اقرب ما يكون الى المستحيل.
الحقيقة الثانية هي ان السلفيين الجهاديين استطاعوا ان يملأوا كل الفراغات السياسية والامنية، في غياب الاستقرار اليمني، ومع استمرار الجمود الاقتصادي وكبت الحريات السياسية، وهذا يعني ان اليمن بات عاجزاً عن وضع استراتيجية جماعية لانقاذ نفسه، حتى لو تأمن الاجماع الخارجي على مثل هذا الانقاذ.
في هذا الصدد يقول جيريمي شارب، وهو اختصاصي في شؤون الشرق الاوسط في دائرة الابحاث داخل الكونغرس الاميركي:-
عندما يتعلق الامر بالسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، يستعمل المسؤولون اليمنيون شبح التدخل الايراني في النزاع مع الحوثيين لطلب الدعم من جيرانهم السعوديين الذين يقلقهم التمرد الشيعي عند حدودهم. ورغم ان السعوديين زادوا دعمهم السياسي والمالي لليمن في الاعوام الاخيرة، لم تبد باقي دول مجلس التعاون الخليجي دعماً مماثلاً، فهي لا تشعر بحاجة ملحة حقيقية الى بذل جهود للتعجيل في انضمام اليمن الى مجلس التعاون الخليجي. فضلاً عن ذلك، ليس اكيداً ان الشروط التي تفرضها السعودية ومجلس التعاون الخليجي لوهب اليمن المال، سوف تعكس اولويات الاصلاح الاميركية والغربية.
وقد يقترب الاستقرار اليمني من الانهيار التام، مع انه من المحتمل جداً ان يشق اليمن طريقه في السنين المقبلة تحت وصاية السعودية ومجلس التعاون الخليجي. في الحالتين، من يعيره انتباهاً؟ في انتظار ان تتفشى مشكلات اليمن على نطاق اوسع، ستبقى السياسة المستدامة حياله عالقة بين الازمة والتهاون.
يبقى ان حرب صعدة السادسة، وآخر محطاتها مجزرة الطيران الحربي في حق المدنيين، كشفت عن مجموعات تحديات اقتصادية وانمائية هي في حجم المأزق الكبير، يواجهها الرئيس علي عبد الله صالح ولم يعد تجاهلها ممكناً.
جزء كبير، ان لم يكن الجزء الاكبر، من وعود صالح الاصلاحية لم يتحقق. الركود الاقتصادي يدعو الى القلق في ضوء تراجع قطاعي النفط والزراعة اللذين يشكلان المصدر الرئيس للدخل القومي، و45 في المئة من اليمنيين دون خط الفقر. اما معدل البطالة (اذا صحت الاحصاءات) فقد كان يتجاوز الـ35 في المئة قبل ست سنوات ومنذ ذلك التاريخ لم يصدر عن الحكومة اليمنية اي ارقام جديدة من شأنها ان تضيء الحقائق المكتومة في دهاليز الحكم.
انها «الفوضى المنظمة» مرة اخرى، واذا هي تواصلت على وقع المدافع وازيز الطائرات وصرخات الجياع، فان اليمن في طريقه الى الصوملة، إلا اذا تلاقت واشنطن والرياض، ومعهما العواصم الخليجية على وضع خطة انقاذية حقيقية لمعالجة مجمل التحديات التي تواجهها صنعاء.
وفي غياب خطة اللاعبين الكبار، قد تمتد المواجهة الى الخليج من الداخل، وقد يشكل التلاقي بين التمرد الحوثي والغضب الجنوبي، وقوداً في حرب اهلية طويلة تتجاوز الحدود اليمنية الى عواصم الاقليم.