فقر … فقر

البعد الاقتصادي في «فوران» الشارع العربي حقيقة غائبة أو مغيّبة منذ أشهر، علماً أنها عنوان كبير في موسم الاحتجاجات.
ثلاثة معطيات تستوقف في هذا المجال:
الأول ما كشف عنه أخيراً أحمد لقمان المدير العام لمنظمة العمل العربية، من أن حجم الأموال العربية في الخارج يصل الى 2,4 تريليون دولار.
الثاني ما تتقاطع عليه معظم الدراسات العربية والدولية في العقد الأخير، من أن 37 الى 40 في المئة من سكان العالم العربي يعيشون تحت عتبة الفقر.
الثالث ان متوسط قيمة التجارة البينية في الدول العربية لم يسجل اي صعود في السنوات الأخيرة.
بكلام آخر، ان حجم الأموال العربية المهاجرة يتعاظم، علماً أن اعادة توظيفها في الداخل العربي، في مشاريع انتاجية، يسهم في توفير المزيد من فرص العمل والمزيد من النمو. هذا التوظيف يفترض إيجاد مناخ استثماري مستقر تحت مظلة أنظمة وقوانين صارمة بعيداً عن مراكز النفوذ، وهذا ما لم يحصل حتى الآن.
المطلوب أن يستوعب القطاع الخاص، عبر المشاريع الصغيرة والمتوسطة، 85 في المئة من الوظائف في القطاعات الانتاجية والخدماتية. وبالأرقام ان إيجاد 12 مليون منشأة (صغيرة أو متوسطة) على امتداد العالم العربي يوفر 30 مليون وظيفة، والرقم مشجع لأن حاجة العالم العربي حتى العام 2020 تصل الى 51 مليون وظيفة.
والمسألة أكثر من ملحة لأن 140 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، في الوقت الذي تستثمر مئات مليارات الدولارات خارج الجغرافيا العربية. وبلغة الرقم نقول ان نسبة الاستثمار العربي في الداخل، بالمقارنة مع الخارج هي 1 الى 56، اي انه مقابل كل دولار يستثمر في الداخل هناك 56 دولاراً تذهب الى الخارج، وبصورة خاصة الى أوروبا وأميركا.
وغياب الاستثمارات الداخلية يوازيه تباطؤ الاستثمارات البينية العربية التي يبلغ حجمها حوالى 10 مليارات دولار، في حين أن المخزون المتراكم لهذه الاستثمارات في الخارج يقاس بتريليون ونصف تريليون دولار، والبعض (كالمدير العام لمنظمة العمل العربية) يقدره بأكثر من تريليوني دولار.
الحاجة إذاً ملحة الى بذل مزيد من الجهود لتعميق وتوسيع وتحرير التجارة العربية البينية اسوة بالتجمعات الاقتصادية الناجحة في الدول النامية. نتوقف هنا عند التقرير الاقتصادي العربي الموحد (للعام 2010) الذي يسجل انخفاضات مؤسفة في التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول المغرب العربي، وتوجهاً متزايداً لدول المغرب نحو دول الاتحاد الاوروبي، ومزيداً من الترابط بين الاقتصادات العربية والبنية الاقتصادية المعولمة على حساب التكامل العربي في مجال الاستثمار الخارجي، علماً أن هذا التكامل هو المدخل الاساسي والحاسم للتكامل العربي في المجالات الاخرى.
ماذا تعني هذه المؤشرات؟
بكل بساطة هي تعني ان العرب يتفرجون على اوطانهم وأزماتها الناتجة من صراع المصالح الاستراتيجية الدولية، وما ينجم عنها من توترات محلية وإقليمية.
انهم اسرى الدائرة المفرغة ما بين السياسة والاقتصاد، وأسرى مفهوم «الاقتصاد غير المنظم» الذي لا يخضع لآليات السوق وشروط التنمية.
ومعظم حكامنا يجهلون او يتجاهلون ان ازمة التعليم، وأزمة البطالة، وغياب الثقة، فضلاً عن الفقر وانعدام الامان الاجتماعي… كلها اسباب كافية للاحتجاجات والانتفاضات والثورات الداخلية، وأن الانتعاش الاقتصادي مرتكز اساسي من مرتكزات الاستقرار.
انها بدهيات لا يراها حكامنا، بكل اسف، والأكثر عمى بين العميان هو الذي لا يريد أن يرى.


Posted

in

by