عام على الزلزال

ثمة حقائق لا ينكرها أحد بعد عام على الزلزال العربي الأخير، هي أقرب الى اليقين منها الى الفرضيات.
الحقيقة الأولى أن العبور العربي من السلطوية الى الديمقراطية ليس عملية مضمونة. الشرق الأوسط بدأ يدخل زمن العولمة أي القرن الحادي والعشرين، بعد سبات طال، إلا أن شيئاً لا يوحي أن الانعطاف الذي حصل مرادف لحالة واضحة ومستقرة.
الحقيقة الثانية ان الفتيل الذي أشعل البارود في العام الفائت كان تكنولوجيا المعلومات (وادي السيليكون هنا أقوى من البنتاغون)، لكن البارود في حد ذاته هو القمع السياسي، والتخلف الاقتصادي، والفقر المدقع احياناً، وارتفاع معدلات البطالة، والضغوط الديمغرافية الكبيرة… وعجز الأنظمة القائمة عن الاستجابة الى كل هذه التحديات.
الحقيقة الثالثة أن الشرق الأوسط في العام 2011 مختلف عن أوروبا الشرقية في العام 1989. إنه يفتقر الى هياكل استقرار خارجية قادرة على التأثير في الاصلاحات الداخلية (حلف الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي… مثلاً). الهيكل الوحيد القائم هو الجامعة العربية، منذ ولادتها، وهي منذ ولادتها، عامل تخلف لا عامل تطوير. ثم إن ثورات أوروبا الشرقية لم تنجح كلها في تحقيق الآليات الديمقراطية والتنمية الاقتصادية (اوكرانيا نموذج صارخ).
الحقيقة الرابعة هي أن فشل الانتفاضات العربية الأخيرة في تحقيق الأفضل لشعوب بلدانها يعني، في جملة ما يعني، انتشار التطرف والحروب الدينية على امتداد المنطقة، وتشريع الأبواب أمام التدخلات الخارجية بكل أشكالها الاستعمارية. و«ديمقراطية اللحى» التي خصصت لها «الكفاح العربي» حيزاً واسعاً في هذا العدد، يمكن أن تشكل عنوان المرحلة المقبلة.
الحقيقة الخامسة هي أن تأجيل الاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لم يعد ممكناً في العالم العربي، بما في ذلك الملكية الدستورية والمساءلة على كل الأصعدة، ودول الخليج ليست استثناء، وكل انعطاف في المنطقة ينعكس بصورة مباشرة على مستقبل الخليج.
يبقى أن يدرك الغرب، بدءاً بالولايات المتحدة، أن الحماية التي أمنها طوال العقود الأخيرة لبعض الأنظمة السلطوية، هي التي أسهمت في تعاظم دور الجماعات الارهابية والحركات المتطرفة. والذين لجأوا الى أفغانستان وباكستان والعراق بدأوا يعودون الى ديارهم ليفرغوا «ثورات الربيع العربي» من مضامينها الحقيقية، وينقضوا على السلطة لحقبة قد تطول.
هذا الغرب يلمس اليوم أن هيمنته قد انتهت، وأن الصراعات الراهنة التي تشهدها المنطقة بعد سقوط «النظام العربي القديم» لا تصب بالضرورة في مصلحته أو مصلحة اسرائيل. ثم إن الأنظمة التي راهنت على حمايته سقطت الى غير رجعة.
ما يحدث اليوم هو ازدراء القوى الديمقراطية في المنطقة بالولايات المتحدة بسبب دعمها الأنظمة القمعية السابقة، وازدراء الأنظمة السلطوية المتبقية بالغرب بسبب مد يده الى «الديمقراطيين الجدد»، وازدراء القوى السلفية والاسلامية بالغرب و«الديمقراطيين الجدد» في آن، لأن الأرض العربية ليست مهيأة للآليات الديمقراطية بعد عقود من الكبت والقمع وحكم العشائر والقبائل.
المرحلة شاقة وبوادر الحروب الأهلية تطل في أكثر من بقعة عربية، والزلزال الحقيقي لم يبدأ بعد.


Posted

in

by