الوضع تحت السيطرة في بني وليد، اطمئنوا. القذافي لن يعود!
لكن السؤال: من يحكم ليبيا؟ وإذا كان “الوضع تحت السيطرة”، فعن أي سيطرة نتحدث؟
عن “مقاتلي الحرية” الذين ينتهكون حرمات البيوت ويسخرون من “سلطة” المجلس الانتقالي؟
عن سيطرة بنادق الميليشيات وأصحاب اللحى الطويلة والقصيرة في طول البلاد وعرضها؟
عن الأحقاد التي تتراكم بين القبائل والجماعات والمناطق؟
عن الاحباط الذي يكبر جراء انتهاكات “الثوار”، التي تؤكدها تقارير المنظمات الدولية، يوماً بعد يوم؟
عن مصداقية الحكام الجدد التي باتت موضع تندر داخل ليبيا وخارجها؟
عن انقطاع الكهرباء وغياب الخدمات وارتفاع معدلات البطالة في اوساط الشباب؟
عن مصير الاموال التي عادت تتدفق بعدما عاد انتاج النفط الى ما كان عليه قبل “الثورة”؟
عن مشاريع الحرب الاهلية التي تطل برأسها هنا وهناك وهنالك؟
عن تفشي تعاطي المخدرات وارتفاع معدلات الجريمة داخل المدن؟
عن مئات آلاف الشباب الذين لا يملكون إلا عملا واحدا: الوقوف عند حواجز التفتيش في الصحراء الليبية الواسعة؟
عن مئات “اللجان الثورية” الجديدة تحتل المدارس وتحولها الى ثكنات دائمة؟
“الوضع تحت السيطرة” في بني وليد، والقذافي لن يعود… لكن من يحكم ليبيا اليوم؟
في انتظار برلمان الاسلاميين المنتظر، لا يملك احد الجواب عن هذا السؤال.
والجامعيون الذين التقوا مؤخراً في الدوحة بدعوة من “المركز الليبي للدراسات والبحوث”، لا يملكون اي جواب.
البروفسور البريطاني تيم نيبلوك، نائب رئيس الجمعية البريطانية للشرق الاوسط، اعترف بأن الاكاديميين لم يفهموا لماذا انطلقت “الثورة” في تونس من صفعة تلقاها بائع خضر متجول، ولماذا تكررت في مصر، ولماذا وصلت الى ليبيا… تماماً كما انهم اخفقوا في توقع انهيار الامبراطورية السوفياتية والثورات التي بدلت وجه اوروبا الشرقية قبل عقدين من الزمن.
وأساتذة الجامعات الليبية قالوا: لقد فشلنا كأكاديميين في توقع ما حدث… نحن أصيلي المنطقة اخفقنا في توقعاتنا.
وفي تصنيف (لا تبرير) الثورات الاخيرة، توقف الباحثون عند ثلاثة نماذج للثورات الاخيرة: الاول استجابة القيادات لمطالب الثوار بالتنحي، كما حدث في مصر وتونس. الثاني تفكيك الثورات واحتواؤها وافشالها، كما حدث في المغرب والاردن. والثالث ارضاء الناقمين بالاغراءات المادية، كما حدث في السعودية ودول خليجية اخرى.
لكن احدا لم يشرح كيف ولماذا حصلت “الثورات” التي حصلت، وكيف وصلت ليبيا تحديدا الى هذه المرحلة العبثية الدامية.
ولم يشرح احد ايضا لماذا يحظر على اعضاء المجلس التشريعي الليبي الترشح للانتخابات، ولماذا يمنع القانون الليبيين اصحاب الجنسيات المزدوجة من ممارسة حقوقهم السياسية، ولماذا يرفض “المجلس الانتقالي” فسح المجال امام عودة الكفاءات الليبية المهاجرة؟
ولم يقل احد لماذا كل هذا الاجحاف في حق المرأة الليبية، ولماذا يتم اقصاؤها عن بناء “ليبيا الجديدة”؟
مرة اخرى، انه الحقد القبلي الاعمى هو الذي يحكم ليبيا ما بعد القذافي، وعبور المرحلة الانتقالية الى التحول الديمقراطي مسألة ميؤوس منها بعد رحيل الرجل، والمنطقة كلها ـ لا ليبيا وحدها ـ في خطر.
من ينقل ليبيا من نهر الدم الى دولة المؤسسات؟
ليس من يملك الجواب عن هذا السؤال، في غياب مؤسسات المجتمع المدني وغياب السلطة وغياب الرؤية.
القبائل المسلحة هي صاحبة الكلمة الاولى والاخيرة حتى الآن، و”الثوار” يسيطرون على المدن والقرى… وملاعب الفوتبول.
والاحتكاكات المسلحة سيدة الموقف.
لكن “الوضع تحت السيطرة”، يقول المجلس الانتقالي.
أوروبا الفقيرة
by
Tags: