أوروبا الفقيرة

المفارقة ﺗﻜﺎد ﻻ ﺗﺼﺪق ﻟﻠﻮھﻠﺔ اﻷوﻟﻰ. أوروﺑﺎ اﻟﻐﻨﯿﺔ ﻣﮫﺪدة ﺑﺎﻟﻔﻘﺮ واﻟﺘﮫﻤﯿﺶ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ. وﺑﻠﻐﺔ اﻟﺮﻗﻢ (اﻟﺪراﺳﺔ ﻟﯿﻮروﺳﺎت ﻟﻼﺣﺼﺎءات)، 23.4 ﻓﻲ اﻟﻤﺌﺔ ﻣﻦ ﺳﻜﺎن ﺑﻠﺪان اﻻﺗﺤﺎد اﻷوروﺑﻲ اﻟﺴﺒﻌﺔ واﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، أي ﺣﻮاﻟﻲ 115 ﻣﻠﯿﻮﻧﺎً، ﻳﻌﯿﺸﻮن ﺣﺮﻣﺎﻧﺎً ﻣﺎدﻳﺎً ﺣﻘﯿﻘﯿﺎً، أي ﻋﺠﺰاً ﻋﻦ دﻓﻊ اﻟﻔﻮاﺗﯿﺮ وﺗﺄﻣﯿﻦ اﻟﺘﺪﻓﺌﺔ واﺳﺘﮫﻼك اﻟﺒﺮوﺗﯿﻨﺎت اﻟﻀﺮورﻳﺔ، ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺟﮫﺔ، وﺧﻔﺾ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪات اﻟﺤﻜﻮﻣﯿﺔ ﻟﻠﻔﻘﺮاء ﻣﻦ ﺟﮫﺔ أﺧﺮى. وﻣﻦ أﻳﻦ ﻳﺄﺗﻲ اﻟﻔﻘﺮ اﻷوروﺑﻲ؟
اﻧﻪ ﻳﺄﺗﻲ أوﻻً ﻣﻦ اﻧﻀﻤﺎم دول اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻻﺷﺘﺮاﻛﯿﺔ اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ اﻟﻰ اﻻﺗﺤﺎد، ﺑﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺣﺰام اﻟﺒﺆس ﻓﻲ اﻟﻀﻮاﺣﻲ. دول اﻟﺸﺮق اﻷوروﺑﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺰﻧﺮ اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻷوروﺑﯿﺔ اﻟﻐﻨﯿﺔ (أﻟﻤﺎﻧﯿﺎ، اﻟﺴﻮﻳﺪ، اﻟﺪاﻧﻤﺮك، ﻓﺮﻧﺴﺎ، ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﯿﺎ وھﻮﻟﻨﺪا…)، ھﻲ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ، وھﻲ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ﻓﻲ اﺗﺴﺎع ﻣﺴﺎﺣﺔ اﻟﻔﻘﺮ اﻷوروﺑﻲ. اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ ھﻮ اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ﺧﺼﻮﺻﺎً ﻓﻲ ﺻﻔﻮف ﺧﺮﻳﺠﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت واﻟﻤﻌﺎھﺪ اﻟﻌﻠﯿﺎ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺎوزت ﻧﺴﺒﺔ 53 ﻓﻲ اﻟﻤﺌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻷوروﺑﻲ. اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺜﺎﻟﺚ ھﻮ ﺗﺪﻧﻲ اﻷﺟﻮر وﺗﻔﺸﻲ اﻟﻔﺴﺎد اﻻداري، وﺗﺤﺎﻳﻞ اﻟﺸﺮﻛﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ، ﻓﻀﻼً ﻋﻦ اﻟﺘﺮاﺟﻊ (ﻓﻲ ﺣﺪود 15 ﻓﻲ اﻟﻤﺌﺔ) ﻓﻲ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻻﺳﺘﺤﻘﺎﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ورواﺗﺐ اﻟﺘﻘﺎﻋﺪ، وارﺗﻔﺎع ﻛﻠﻔﺔ اﻟﺴﻜﻦ، ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﺴﻜﻦ ﻏﯿﺮ اﻟﻼﺋﻖ. ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺼﺪد ﻳﻘﻮل ﺟﻮرج ﻣﯿﻨﺎرﺷﯿﻪ أﺣﺪ ﺧﺒﺮاء اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻷوروﺑﻲ: ﺑﺎت اﻟﺴﻜﻦ ﺣﻠﻤﺎً ﻟﻠﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﺎب اﻷوروﺑﻲ اﻟﺠﺪﻳﺪ، ﺣﺘﻰ ﺧﺎرج اﻟﻤﺪن اﻟﻤﺮﻛﺰﻳﺔ اﻟﻜﺒﺮى. واذا اﻓﺘﺮﺿﻨﺎ ان ﺧﻄﻮط اﻻﺗﺼﺎل ﻣﺆﻣﻨﺔ، إﻻ أن اﻟﺴﻜﻦ ﺑﺸﺮوطﻪ اﻟﺪﻧﯿﺎ، ﺑﺎت ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺷﺒﻪ ﻣﻨﻌﺪﻣﺔ ﻓﻲ ﺑﻠﺪاﻧﻨﺎ، ﺑﻤﺎ ﻓﯿﮫﺎ اﻟﻐﻨﯿﺔ. وﻋﻠﻰ ﺣﻜﻮﻣﺎﺗﻨﺎ أن ﺗﺒﺪأ ﻣﻨﺬ اﻵن ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ أزﻣﺎت اﻟﺴﻜﻦ اﻟﻤﻠﺤﺔ، واﻻ ﻓﺈن اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺳﻮف ﺗﺘﻔﺎﻗﻢ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﻣﺨﯿﻒ ﻓﻲ اﻟﺴﻨﻮات اﻟﻌﺸﺮ اﻟﻤﻘﺒﻠﺔ. أﻣﺎ اﻟﺒﺎﺣﺚ واﻷﻛﺎدﻳﻤﻲ اﻟّﻠﺒﻨﺎﻧﻲ روﺟﯿﻪ ﻛﺘﻮرة اﻟﻤﻘﯿﻢ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻣﺎرﺳﯿﻠﯿﺎ اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ ﻓﯿﻘﻮل: «ﻳﻔﺘﺮض أﻻ ﻧﺴﺘﻐﺮب إذا ﻣﺎ اﻧﺘﻘﻠﺖ أزﻣﺎت دول اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞ واﻟﺴﻜﻦ واﻟﻄﺒﺎﺑﺔ واﻟﻐﺬاء اﻟﺼﺤﻲ إﻟﻰ دول اﻻﺗّﺤﺎد اﻷوروﺑﻲ ﻓﻲ ﻏﻀﻮن ﻋﻘﺪ وﻧﺼﻒ اﻟﻌﻘﺪ ﻣﻦ اﻵن. ﻓﺎﻷزﻣﺔ اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﺘﻲ اﻧﻔﺠﺮت ﻓﻲ وول ﺳﺘﺮﻳﺖ ﻓﻲ ﻧﯿﻮﻳﻮرك اﻧﺘﻘﻠﺖ ﺑﺴﺮﻋﺔ إﻟﻰ أوروﺑﺎ ﻟﺘﺰﻳﺪ ﻣﻦ أزﻣﺎﺗﮫﺎ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻟﻤﺎﻟﯿﺔ، وﺗﺆﺛﺮ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﻄﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، ﺧﺼﻮﺻﺎً ﻓﻲ اﻟﯿﻮﻧﺎن وإﻳﻄﺎﻟﯿﺎ واﻟﺒﺮﺗﻐﺎل وإﺳﺒﺎﻧﯿﺎ، ﻣﺎ ﺟﻌﻞ دوﻻً ﻏﻨﯿﺔ ﻣﺜﻞ أﻟﻤﺎﻧﯿﺎ ﺗﺸﻜﻮ وﺗﻨﻮء ﻣﻦ ﻋﺐء اﻟﻨﻔﻘﺎت اﻟﺘﻌﻮﻳﻀﯿﺔ اﻟﺒﺎھﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤّﻤﻠﮫﺎ إزاء ھﺬه اﻟﺪول، اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﺟﻌﻠﮫﺎ ﺗﻘﺘﺮح ﻋﻠﻰ دول اﻻﺗّﺤﺎد اﻷوروﺑﻲ اﻋﺘﻤﺎد ﻧﻮﻋﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﯿﻮرو: ﻳﻮرو ﺧﺎص ﻓﻲ ﺷﻤﺎل أوروﺑﺎ وآﺧﺮ ﺧﺎص ﺑﺠﻨﻮﺑﮫﺎ». اﻟﻤﮫﻢ أن اﻟﻔﻘﺮ ﻳﺪق أﺑﻮاب أوروﺑﺎ، ﻣﺎ ﻳﻘﻮد ﺑﻄﺒﯿﻌﺔ اﻟﺤﺎل اﻟﻰ ﻧﻘﺺ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ، وﻧﻘﺺ ﻓﻲ اﻟﺘﺪرﻳﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﮫﺎرات، واﻟﻔﻘﺮ، ﻛﻤﺎ ھﻮ ﻣﻌﺮوف، ﻳﻮرث اﻟﻔﻘﺮ واﻻدﻣﺎن ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺤﻮل واﻟﻤﺨﺪرات.وﻧﺘﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ ظﺎھﺮة ﺗﻼﻣﺲ اﻟﺤﺮب اﻷھﻠﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﯿﻮﻧﺎن. ﻧﻘﺮأ ﻓﻲ ﺻﺤﯿﻔﺔ « Le Courrier International» اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ، ﻧﻘﻼً ﻋﻦ «اﻟﻐﺎردﻳﺎن» اﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﯿﺔ، ان اﻟﻐﻀﺐ اﻟﯿﻮﻧﺎﻧﻲ اﻟﺸﻌﺒﻲ ﺿﺪ اﻻﺗﺤﺎد اﻷوروﺑﻲ ﺑﻠﻎ ذروﺗﻪ ﻓﻲ اﻷﺳﺎﺑﯿﻊ اﻷﺧﯿﺮة، اﻟﻰ ﺣﺪ أن اﻟﻤﺘﻈﺎھﺮﻳﻦ رﻓﻌﻮا ﻻﻓﺘﺎت ﺗﺼﻒ اﻻﺗﺤﺎد ﺑﺄﻧﻪ «اﻣﺒﺮﻳﺎﻟﻲ ﻗﻤﻌﻲ». وﻣﻦ ﻣﻈﺎھﺮ ھﺬا اﻟﻐﻀﺐ ﻣﺎ ﻳﺠﺮي ﻓﻲ اﻟﺸﺎرع، ﻧﻘﺮأ: ﻛﺎن اﻟﺸﺎب اﻟﻨﺤﯿﻞ، ﻓﺎرع اﻟﻄﻮل،ﺷﺎﺣﺐ اﻟﻮﺟﻪ ﻳﺼﺮخ ﻓﻲ وﺟﻪ ﺷﺮطﻲ ﻣﻦ ﻗﻮات ﻗﻤﻊ اﻟﺸﻐﺐ أﻣﺎم اﻟﺒﺮﻟﻤﺎن ﻓﻲ أﺛﯿﻨﺎ: «ان ﺟﯿﻠﻜﻢ ھﻮ اﻟﺬي أوﺻﻠﻨﺎ اﻟﻰ ھﺬا اﻟﻮﺿﻊ، وﻋﻠﻰ ﺟﯿﻠﻨﺎ اﻵن ان ﻳﺪﻓﻊ ﺛﻤﻦ اﺧﻄﺎﺋﻜﻢ؟
ﻋﻠﯿﻜﻢ اﻧﺘﻢ ان ﺗﺪﻓﻌﻮا ھﺬا اﻟﺜﻤﻦ». ﻓﻲ ﻧﺎﺣﯿﺔ اﺧﺮى ﻣﻦ اﻟﺸﺎرع، اﻣﺮأة ﻏﺎﺿﺒﺔ ﺗﺰﻣﺠﺮ ﻓﻲ وﺟﻪ ﺛﻠﺔ ﻣﻦ رﺟﺎل اﻟﺸﺮطﺔ: «اﻳﮫﺎ اﻟﺨﻮﻧﺔ اﻟﻌﻤﻼء! ﺗﻀﺮﺑﻮن اﻣﮫﺎﺗﻜﻢ واﺧﻮاﺗﻜﻢ؟!». اﻣﺮأة اﺧﺮى ﺗﺼﺮخ ﻣﯿﻤﻤﺔ وﺟﮫﮫﺎ ﺷﻄﺮ اﻟﺒﺮﻟﻤﺎن: «ﻟﻘﺪ ﺷﺮﺑﺘﻢ دﻣﻨﺎ. ﻻ ﻧﻤﻠﻚ ﺣﺘﻰ طﻌﺎﻣﺎً ﻟﻨﺄﻛﻞ. ﺑﻌﺘﻤﻮﻧﺎ ﻟﻸﻟﻤﺎن. اﺑﻨﺘﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺮزح ﺗﺤﺖ وطﺄة دﻳﻮن ﺛﻘﯿﻠﺔ، اﻧﺘﺰﻋﺘﻢ ﻣﻨﮫﺎ ﺑﯿﺘﮫﺎ، ﺳﻠﺒﺘﻤﻮھﺎ ﺣﯿﺎﺗﮫﺎ، أﻻ ﻟﯿﺖ ﻣﺮض اﻟﺴﺮطﺎن ﻳﻨﺰل ﻋﻠﯿﻜﻢ ﺟﻤﯿﻌﺎً!». ﺗﻀﯿﻒ ﻣﺮاﺳﻠﺔ اﻟﻐﺎردﻳﺎن: «ﺻﻮر اﻟﺒﺆس واﻻﺣﺒﺎط اﻟﺘﻲ ﻳﻌﯿﺸﮫﺎ اھﻞ اﺛﯿﻨﺎ ﺗﺘﻨﺎﻗﻠﮫﺎ وﺳﺎﺋﻞ اﻻﻋﻼم ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﺟﻤﻊ: وﺟﺒﺔ اﻟﻌﺸﺎء ﺗﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎء ﺷﻌﺒﻲ، ﻣﺘﺴﻮﻟﻮن ﻓﻲ اﻟﺸﻮارع، ﻧﻮﺑﺎت اﻧﮫﯿﺎر وھﺴﺘﯿﺮﻳﺎ ﺗﺠﺘﺎح اﻟﻨﺎس، وﻣﺎ اﻛﺜﺮ اﻟﻤﻨﺘﺤﺮﻳﻦ! ھﻞ ﻧﻠﻮم اﻟﺪول اﻟﻨﻔﻄﯿﺔ اﻟﻤﺘﺨﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺪد اﻟﻔﻘﺮاء اﻟﻤﻨﺴﯿﯿﻦ ﻓﻲ ﺿﻮاﺣﻲ ﻣﺪﻧﮫﺎ اﻟﻌﺎﻣﺮة؟ ھﻞ ﻧﻠﻮم اﻟﺪول اﻟﻔﻘﯿﺮة… ﻷﻧﮫﺎ ﻓﻘﯿﺮة؟
اﻧﮫﺎ اﻟﻤﻔﺎرﻗﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻲ اﻟﻘﺎرة اﻟﻐﻨﯿﺔ.


Posted

in

by