ما الذي تغير في باراك اوباما بعد سنوات البيت الأبيض؟
الجواب الأول هو أن الرئيس المرشح (للعودة) مصاب بمجموعة «أمراض». إنه اليوم «مريض سياسي» بكل معنى الكلمة، بعدما فقد الكثير من مصداقيته، بصورة خاصة في العالمين العربي والاسلامي.
بوضوح أكثر، الرجل عاجز عن ادارة الملف العربي- الايراني، كما الملف الأفغاني- الباكستاني، عجزاً يكاد يكون كاملاً.
من أين نبدأ؟
العراق نموذج أول. ما إن استقبل الرئيس الأميركي الأعداد الأخيرة من جنوده العائدين من بغداد، حتى اندفع في كيل المديح لـ«الاستقرار السياسي الذي ينعم به العراقيون في ظل الديمقراطية الجديدة». ما حصل بعد هذا الاطراء معروف، وهو أن العراق، بعد تسع سنوات من الحضور الأميركي الذي وضع أسس هذه «الديمقراطية»، لا يزال تحت رحمة العنف اليومي.
انعقاد مؤتمر القمة العربي الأخير، في حراسة 98 ألف جندي وشرطي، يعطي الدليل القاطع على مدى «التماسك» السياسي الداخلي والانصهار الاجتماعي في العراق بعد التغيير الكبير.
العراقيون أنفسهم لم يصدقوا حتى الآن أن انعقاد المؤتمر مرادف لتعطيل كل مظاهر الحياة في المدينة، ولا يصدقون أن عاصمتهم تستقبل الزعماء العرب، بمثل هذا الشلل.
إنها «الديمقراطية» في أبهى مظاهرها.
وبشيء من التفصيل نعود بالذاكرة الى بدايات السنوات الأربع. لقد تعهد أوباما بأربعة إنجازات في الشرق الأوسط: ضمان استقرار العراق بعد الانسحاب، تأمين الخروج المشرف من أفغانستان ومن موقع القوة على قاعدة التعاون والتنسيق مع «باكستان الحليفة»، إخراج عملية السلام العربي- الاسرائيلي، بدءاً بالمفاوضات الفلسطينية- الاسرائيلية من الجمود، عن طريق إرغام اسرائيل على وقف نشاطها الاستيطاني… وبدء حوار مع ايران حول خططها النووية.
والحصيلة التي لا يجادل فيها أحد هي أن الرجل فشل في المهمة، على مستوى النقاط الأربع، بقدر ما فشل في مصالحة بلاده مع العالمين العربي والاسلامي.
العراق لا يزال ممزقاً في نسيجة الاجتماعي وادائه السياسي، والمصالحة الوطنية فيه مشروع مؤجل. وحده اقليم كردستان يتمتع باستقلالية واسعة من دون ان تستقر علاقاته مع المركز على أسس واضحة. أما علاقات العراق بدول الجوار والمنظومة العربية والدولية فنوع من الطلاسم التي لا يجيد قراءتها إلا المنجمون.
والمفارقة أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وفي رحلته الأخيرة الى واشنطن، أبلغ باراك اوباما أن تركيا تقلق بلاده أكثر من ايران، ما يعني أن النفوذ الأميركي في العراق هبط الى أدنى مستوياته، رغم أن الجيش العراقي لا يزال يتسلح أميركياً.
كل هذا يعني أن «العراقي الأميركي» تحول (حتى قبل انسحاب- الأميركيين) من «لاعب» الى «ملعب»، علماً أن الطرف الاقليمي الأقوى في المنطقة ليس حليفاً للأميركيين.
والعارفون يقولون انه اذا ما توصلت ايران الى تسجيل مزيد من النفوذ داخل العراق، فان الولايات المتحدة سوف تجد نفسها مضطرة لخوض حرب جديدة، بعد انسحابها من أفغانستان!
وحتى الآن يلعب الرئيس- المرشح لعبة التخفي في مواجهة طهران النووية التي تتعاظم قوتها العسكرية. انه لا يزال يعتقد ان في وسعه تجنب الحلول الصعبة. لكن ضغوط اللوبي اليهودي تتعاظم، وقد يأتي يوم لن يكون بعيداً، يدفع فيه ثمن تأجيل المواجهة.
والمفارقة ان مشروع المواجهة الجديدة يأتي، بعد عشر سنوات أمضتها القوات الأميركية في أفغانستان، منذ اعتداءات 2001. طوال هذه السنوات استقدمت الولايات المتحدة مئة ألف جندي الى المنطقة، وأنفقت 550 مليار دولار. والنتيجة، حتى الآن، انجاز يتيم هو تصفية أسامة بن لادن ورمي جثته في البحر.
أما المشاكل الاستراتيجية العالقة فإنها تتعاظم، ولا حلول سياسية في الأفق. وما يصح في الكلام عن العراق يصح أيضاً في الكلام عن أفغانستان. الرابح الأول في عراق ما بعد صدام هو ايران، والرابح الأكبر في أفغانستان ما بعد طالبان، هم «الطالبانيون» أنفسهم، والأميركيون عاجزون عن اشراك باكستان في «الحل الأفغاني»، لأنهم عاجزون عن اعطاء اسلام اباد التفوّق الذي تتطلع اليه في نزاعها مع الهند.
وكل شيء يشير الى أن باكستان سوف تتحول، في أعقاب الانسحاب الأميركي من افغانستان (في أواخر العام المقبل) الى «أفغانستان أخرى» نووية، متحالفة مع الصين، والى منتج آخر لما يسميه الأميركيون «الارهاب العالمي» على الطريقة الأفغانية.
وماذا عن الصراع العربي- الاسرائيلي؟
في العام 2009 وعد اوباما بحل على أساس الدولتين، واليوم، وفي مواجهة نتنياهو هو يخوض قتالاً تراجعياً عشية الاستحقاق الانتخابي الجديد.
إنها أمراض أوباما العربية والشرق أوسطية التي نجمت عن فشله المتكرر هنا وهناك وهنالك، رغم كل الادعاءات القائلة بأنه يملك رؤية استراتيجية في التعامل مع العالم.