السؤال لا يحتاج الى استفتاء شعبي: هل انتهى عهد مرسي قبل أن يبدأ؟
الظن الأرجح أنه انتهى لأن الرئيس المصري خسر، من حيث لا يدري، شرعيته الدستورية وشرعيته الشعبية، عندما سقط في فخ الاسلامويين والسلفيين، بعد خمسة أشهر على انتخابه.
الأدلة على هذه الحقيقة ليست قليلة، نتوقف منها عند ثلاثة:
الدليل الأول، أن مرسي أصدر في الأشهر الخمسة الأولى من ولايته خمسة قرارات كبيرة، تراجع عن ثلاثة منها. هذه القرارات هي احياء مجلس الشعب خلافاً لأحكام القضاء، إلغاء الاعلان الدستوري خلافاً لأحكام المرشد، ورفع أسعار بعض السلع والخدمات. وفي تراجع رابع (غير مباشر) تم تأجيل دعوة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي الى الحوار السياسي للخروج من الأزمة.
أما القراران الرابع والخامس المتعلقان باستبدال النائب العام واجراء الاستفتاء، فقد سقطا من دون إرادته أو رغماً عنها، عندما استقال النائب العام الجديد، وتحول الاستفتاء الى مشروع حرب أهلية.
والمفارقة في التطورات المتسارعة أن الاخوان والسلفيين الذين عزلوا الرئاسة والرئيس عن سائر القوى المصرية السياسية، تصرفوا وكأنهم لا يزالون في صفوف المعارضة عندما أعلنوا عن «ساعة الصفر» وعن تسليح شباب الجماعة، ومنعوا القضاة من الوصول الى مقر المحكمة الدستورية العليا، وحاصروا قسم الشرطة في الدقي مطالبين باقالة وزير الداخلية، وأحرقوا مقر حزب الوفد، واعتدوا على صحيفتي «المصري اليوم» و«الوطن»… في الوقت الذي أعلن مؤتمر حقوق الانسان ان الخروقات التي حصلت في النصف الأول من الاستفتاء بلغت أكثر من أربعة آلاف شكوى نقلتها منظمات المجتمع المدني الى «اللجنة العليا للاستفتاء»، فضلاً عن ألف وخمسماية محضر رسمي في أقسام الشرطة تتضمن توثيقاً للانتهاكات.
إنه العنف السياسي والمادي بكل أشكاله، في عملية يفترض أن تكون ديمقراطية، سلسة، سلمية وشفافة.
أليس لهذه الأغراض جميعاً كانت «ثورة 25 يناير»؟
الدليل الثاني، نتلمسه في اجواء ما قبل- وما بعد- الجولة الأولى من الاستفتاء. هذه الاجواء تميزت بتحريض اسلاموي على العنف بكل أشكاله، حتى العنصرية منها. الداعية عبد الله بدر طلب من أنصاره بكل بساطة «سحل وتصفية معارضي الرئيس». الداعية صفوت الحجازي حذر المسيحيين من المعارضة واعتبرهم عملاء للخارج، وأضاف من يقول «لا» للدستور يرفض شرع الله ويعتبر كافراً! وميليشيات الجماعة استجابت مبكراً لهذا التحريض عندما هاجمت بالسلاح اعتصام قصر الاتحادية، وعلى وقع شعارات «الله أكبر» قتلت ثمانية مصريين جريمتهم أنهم معارضون.
والسؤال: هل ان الاستفتاء على الدستور الذي يريده مرسي «دستور دولة مدنية» مرادف لحرب مكشوفة بين المسلمين والكفار؟
وهل ان ما يحدث في «مصر الاخوانية» غزوة على الطريقة الجاهلية بين المسلمين وعبدة الأوثان؟
الدليل الثالث، الى جانب ارهاب الشارع وتحويل الدين الى نوع من الفاشية السياسية (كما محاكم التفتيش في القرون الوسطى في أوروبا)، «ربح» مرسي جولة الاستفتاء الأولى عندما استنفر أنصاره في المناطق الأكثر فقراً والأكثر أمية في مصر، التي تصل فيها نسبة الأمية الى 85 في المئة احياناً، بل غالباً، لاقرار دستور لم يقرأوه ، باسم الشريعة والاستقرار، علماً أن «الاخوان» لم يملكوا يوماً برنامجاً اقتصادياً هادفاً لاخراج المصريين من أمية القراءة والكتابة، وأمية الانترنت، والفقر الذي يسحق كل مكوّنات الوعي في الأوساط الشعبية.
وأياً تكن نتائج الاستفتاء نحن نقول مع القائلين «ان نجاح هذا الاستفتاء هو في فشله».
وحده الفشل يعيد الوصل بين مصر الثورة ومنطق الاخوان والسلفيين الذين غزوا هذه الثورة قبل أن يصلب عودها وتبني مؤسساتها الديمقراطية.
(يتبع)