سوكلين سياسية

لبنان الغارق في أوساخه ونفاياته السياسية ، والذي يتقوقع على نفسه في غرفة العناية الأميركية ، يعيش في صيف العام 2016 انهيارا هو أقرب الى التهرؤ : كرسي الرئاسة بلا رئيس ، المجلس النيابي مشلول ، الحكومة محكومة بالمعادلات المستحيلة ، والناس في ضياع يلامس اليأس .

وباستثناء عدد قليل من المؤسسات الأمنية والمالية ، التي حولت طاقاتها الى قدرات ، فإن الدورة الإقتصادية والأمنية شبه معطلة ، والمجموعة الحاكمة عاجزة عن المبادرة ، وعن الفعل ، تنتظر من الخارج “معجزة” لا تأتي ، وتتلمس الحلول الخارجية  بإرتباك يختلط فيه التعميم بالتعمية بالأفق المسدود . ولا يجادل أحد في أن المؤسسات الدستورية قاصرة عن حماية نفسها بنفسها ، وأنها تتعايش مع “تطبيع” دراماتيكي للفراغ بات مرادفا للموت البطيء.

والأدلة على هذا التهرؤ ، في الطرقات كما في السرايات ، الروائح النتنة تنبعث من كل الزوايا ، في الوقت الذي يتباهى أبطال “الطائف” بقدرتهم على إطالة عمر المحنة . و”الطائف ” الذي مات ولم يتطوع أحد لدفنه حتى الآن ، تحول بدوره الى مزبلة تنتظر  صفقة “سوكلين ” جديدة يتقاضى عمولاتها صانعو القرار الإقليمي والدولي .

نحن في غيبوبة سياسية عميقة ، ولا أحد يريد لنا أن نصحو ، لأن المشهد الجيواستراتيجي لم يستقر بعد على نهايات واضحة . والذين يصرون على البقاء “خارج اللعبة” يمارسون فعل انتحار يومي من حيث لا يدرون .

من أين يبدأ الحل ؟

اقتناعي أنه يبدأ بالخروج من سجن الطائف ، الذي أريد له يوم ولد أن يكون مرحلة انتقالية في انتظار  ارساء الميثاق على أسس بديلة .حتى الآن صلبنا أنفسنا على “أبدية ” هذا الميثاق ستا وعشرين سنة بلا طائل ، وبات علينا أن ننزل الى الواقع كي نستجلي حقيقة أوجاعنا وأمراضنا.

ما يجري حتى الآن محاولة يائسة لمعالجة الطائفية بالطائفية، فيما المطلوب مشروع وطن ودولة ومؤسسات لا تغرق في المجارير إذا أمطرت السماء ، ولا في النفايات إذا انتهى مفعول عقد ميسرة سكر …

ما يجري هو أننا نعيش مأساة عنوانها الدائم  ” لبنان بلد أزماتي ” أي بلد قادر على توليد أزماته بقواه الذاتية دونما حاجة الى اسرائيل والنصرة وداعش وسائر عنصريات الداخل والخارج .

لقد آن الأوان لأن نعترف بأن الميثاق عقد اجتماعي سياسي قابل للتطوير ، وأنه ليس روحانيا أو نصا منزلا لا يمس .

ويقيني أن بشارة الخوري ورياض الصلح ،على حسن نياتهما ، نصبا لنا فخا تاريخيا انزلقنا اليه بإرادتنا ، متجاهلين أن العالم تغير ويتغير منذ أكثر من سبعة عقود .  يقيني الآخر أن الطائف يفترض أن يكون جسر عبور الى صيغة معاصرة وقابلة للحياة ، نستعيرها من الدول الأكثر تقدما ، عوض أن نظل نراوح في متاهاتنا السياسية ومعضلاتنا الإجتماعية  .

نحن دولة أكثر من فاشلة في زمن ميسرة سكر والخليفة البغدادي :  لا سلطة ، لا مؤسسات ، لا ماء ، لا كهرباء ، لا ضمانات ، لا أفق ، ولا مستقبل …  ننذر أبناءنا للهجرة القسرية ونستورد أزمات الآخرين بلا حساب .

نحن خطأ تاريخي ووصمة عار بكل المقاييس الحضارية المعاصرة .

نحن لا شيء بمفهوم الدولة الحديثة القادرة على المشاركة في صنع التاريخ .

كفى هذيانا في دوامة “الطائف ” والطائفية والطوائف .

“سوكلين” السياسية هي الحل .


Posted

in

by