عام اللايقين

العام 2012 كان عام الانعطافات الحادة في الشرق الأوسط كما في العالم: تحولات سياسية، أزمات اقتصادية، اضطرابات اجتماعية، مشاكل بيئية، وصدامات ثقافية.

والعنوان الأكثر واقعية للعام 2013 هو «عام اللايقين».

لماذا هذا اللايقين؟

لمجموعة اعتبارات دفعة واحدة لعل أهمها الآتي:

– في ما يتصل بحوض المتوسط، وبالمنطقة العربية تحديداً، تواجه المرحلة الانتقالية تحديات هائلة، والصحوة على الحقوق العالمية، وقد بدأت، صحوة واعدة. الشعوب عبرت عتبة الخوف لكنها لا تزال تحتاج الى مؤسسات ديمقراطية حقيقية.

هذه المؤسسات في طور التشكل ولو أن المخاض لا يزال موجعاً.

– في أوروبا القريبة أزمة اليورو لم تنته بعد وقد تستمر عاماً آخر، وهي أزمة لا  تؤثر على النمو في دول الاتحاد الأوروبي فقط، وانما على الاقتصاد العالمي ككل. والأزمة في أوروبا ليست اقتصادية أو مالية فحسب،إنها أيضاً أزمة سياسية، والدليل أن الاتحاد لم يتحول حتى الآن الى اتحاد سياسي حقيقي يستحوذ مركزياً على السيادة في صناعة القرار العالمي. إنه اتحاد يدور في الفلك الأميركي أو فلك حلف شمال الأطلسي، والأوروبيون غير قادرين على توقع الكثير من زعمائهم السياسيين.

– في الولايات المتحدة المشكلة لا تقتصر على تجنب الانزلاق الى «الهاوية المالية». إنها مشكلة السياسية الفوضوية التي لا تزال المحرك الرئيس للقرارات الأميركية. والاستقطاب المستمر داخل الكونغرس من شأنه أن يطيل حالة عدم اليقين السياسي، ما يؤدي بدوره الى ارباك المفاوضات الخاصة بالديون والعجز وإعاقة النمو الاقتصادي وتبطيء الاصلاحات المالية.

– الاقتصاد العالمي مشدود أكثر من أي وقت الى ثلاثة سيناريوهات محتملة: تفاعل بين الاقتصاد والسياسة يؤدي الى مزيد من النمو والاستقرار. تحالف بين الاقتصاد الرديء والسياسات المرتكبة يقود الى مزيد من التخبط واللااستقرار… أو استمرار عملية التجاذب والتنافر بين الاقتصاد والسياسة، ما يعني غياب التوجهات الواضحة أو الحاسمة، وهو مرادف لعدم اليقين.

يبقى أن سياسة الصفر (اخلاء العالم من الأسلحة النووية) عادت الى نقطة الصفر، واحتمال أن تتوافق القوتان الرئيستان (روسيا والولايات المتحدة) على استكمال التخلص من ترسانتيهما النووية مؤجل حتى اشعار آخر. لكن المشكلة ليست هنا. المشكلة في الانتشار النووي الذي يتزايد في مناطق الصراعات الاقليمية، وهو الذي يضع المصداقية الأميركية- الروسية على المحك، والتوصل الى عالم خال من الأسلحة النووية بات مجرد حلم غير قابل للتحقيق.

بكلام آخر، إن كوريا الشمالية والهند وباكستان وايران واسرائيل، لا تبالي كثيراً بخفض المخزون الاحتياطي النووي لدى الولايات المتحدة وروسيا، والأمر بالغ الخطورة لأن العلاقة الثنائية بين موسكو وواشنطن تنحو الى زمن الحرب الباردة… وكل حوار حول خفض الترسانات النووية لا بدّ أن يشمل المعنيين جميعاً أي أصحاب المصلحة في اقتناء السلاح النووي. والمسألة في الشرق الأوسط أكثر تعقيداً لأن السلاح النووي والسلام الشامل يفترض أن يسيرا جنباً الى جنب.

نعود الى عام اللايقين وهو عربي بامتياز. الثورات التي اجتاحت عدداً من الدول العربية في العامين الأخيرين لا تزال هشة، وقد برهنت التجربة على أن تعايش القبائل والمجموعات العرقية والمذاهب والجماعات في دولة مركزية موحدة ليس عملية ممكنة في غياب الحكم الاستبدادي، وأن ترسيخ الديمقراطية في دنيا العرب لا يقتصر على إزاحة الطغاة. المطلوب منع الانهيارات الفوضوية في مرحلة بناء المؤسسات الديمقراطية، والمسألة ليست بالسهولة التي يتصورها الحكام الجدد.

وفي انتظار أن تستكمل دول «الربيع العربي» بنيتها السياسية النهائية الواضحة، لا يمكن التكهن حتى الآن بحياة كريمة مستقرة للأجيال العربية الطالعة. التحولات التاريخية في الشرق الأوسط لم تبلغ مرتجياتها بعد.

2013 عام الحيرة والدوران في اللايقين على امتداد الجغرافيا العربية وحوض المتوسط وأوروبا، والعمالقة ليسوا في مأمن من الانهيارات الجديدة.


Posted

in

by