على مسافة أسابيع من الانتخابات التشريعية تتجمع مؤشرات جديدة على أن المشهد السياسي المصري يمر بمرحلة تبدلات عميقة، على مستوى العلاقة بين الاسلاميين أنفسهم، كما على مستوى الصراع بين الاسلاميين والعلمانيين.
وفي الوقت الذي يكرّر محمد مرسي الدعوة الى الحوار، بقصد استيعاب التوترات التي سبقت وعقبت الاستفتاء على الدستور، يدخل المعارضون المعركة الانتخابية باطمئنان نسبي الى النتائج، بسبب تراجع القوى الاسلامية التي هيمنت على المشهد الانتخابي قبل عام، ولو أن هذا التراجع لا يزال في بداياته.
هذه التحولات لم تكن ماثلة للعيان قبل عودة المصريين الى الشارع والعاصفة التي أثارها الاستفتاء على الدستور. وقد انتهت المعركة الى جروح لم تندمل بعد، ودستور لا توافقي، وتوترات كامنة مرشحة للانفجار في أي وقت.
والتراكمات التي تجمعت في الأفق منذ انتخاب محمد مرسي أسفرت حتى الآن عن مواجهات حادة، ودموية أحياناً، أثبتت بما لا يقبل الجدل، أن تفاؤل «الاخوان» بالنجاح الذي حققوه، بالتنسيق مع الجنرالات، مبالغ فيه الى حد بعيد، وهو تفاؤل لا يشكل حلاً طويل الأجل في أي حال.
واذا سارت الأمور، كما هي اليوم، فإن الثورة سوف تنتج في نهاية المطاف، نظاماً يشبه نظام حسني مبارك من حيث طابعه السلطوي، بعيداً عن كل آليات المنافسة الديمقراطية السليمة.
المعركة اذاً طويلة، ومن حق المصريين أن يشعروا بالقلق، عشية وبعد اعلان نتائج الانتخابات المقبلة (بمعزل عن القرارات المرتقبة للجهات القضائية المعنية)، ذلك أن المخاطر عالية الوتيرة، والنقاش انفعالي، والخطاب في غاية الاستقطاب،والقوى السياسية المدنية مقتنعة بأن الاسلاميين «خطفوا» مصر ما بعد الثورة وعملية بناء المؤسسات الجديدة الى موقع لا تريده، يشكل تقاطعاً جديداً بين الاسلاميين والسلفيين والمؤسسة العسكرية.
هل إن مصر مقبلة على حرب خنادق سياسية داخل ا لصف الاسلامي، وبين الاسلاميين والمعارضة الجديدة؟
الجواب صعب لأن المسألة الوحيدة المطروحة للنقاش هي دور الشريعة في التشريع. والصياغة الجديدة للدستور تلمح الى كل شيء لكنها لا تقدم حلولا حاسمة، لأنها تمنح السلطة السياسية مرونة كبيرة في تفسير الشريعة وتطبيقها. والجدل قائم حول مواد عدة تنص على «احترام» أحكام الشريعة، وهو «احترام» يفسح المجال للاجتهاد ويتستر بعبارات مطاطة من أجل تكريس هينة كبار العلماء على كل النصوص التشريعية.
في هذه الحال يمكن بسهولة الاستنتاج بأن مؤسسات الدولة هي ميادين المواجهة الرئيسة، والأزهر (مدعوماً بالجنرالات) مؤهل لتفسير المادة الثانية (الاسلام مصدر التشريع) على طريقته، وقد يتحول الى كرة قدم سياسية يتقاذفها قادة التيارات الدينية المختلفة، في محاولة للهيمنة على المؤسسات الجديدة.
إنها معركة تتمحور حول مفهوم القيم الاجتماعية بين الاسلاميين وغير الاسلاميين، بدأت ملامحها تتبلور بوضوح في ربط «الاخوان» المحكم بين الشرعية والشريعة في حمى التظاهرات الأخيرة.
يبقى سؤال: هي تفلس مصر الاخوانية قبل أن يهتدي محمد مرسي وفريق عمله الى حلول ناجعة لضمان الاستقرار السياسي؟
من الواضح أن مصر سوف تشهد موجة حادة من ارتفاع الأسعار، فور توقيع الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي (قرض الـ4.8 مليار دولار). هذا التوقيع سوف يدفع 20 مليون مصري جديد الى تحت خط الفقر، ليصل عدد المصريين الجائعين الى 40 مليوناً. ووسط التخبط السياسي وتردي الوضع الاقتصادي وغياب الشفافية وازدهار المخاوف والشائعات، لن يكون مفاجئاً أن يتبخر الاحتياطي النقدي الحالي (15 مليار دولار) وهو رقم متواضع في أي حال لا يكفي لتسديد فواتير الاستيراد، علماً أن الفواتير الشهرية الثابتة للاستيراد تتجاوز المليار دولار، وأن خدمة الدين تبتلع في الوقت الحاضر 32 في المئة من الموازنة العامة.
كل هذا يعني أن مصر تحتاج الى قروض أكثر من أي يوم، وأنها تندفع بقوة أكبر الى الفقر، وكلما كبر المأزق المالي كلما تراجعت شعبية الاخوان في السلطة.
هل إنها النهاية في بداية عهد مرسي؟