شكراً لليونسكو. مرة لأنها أدرجت قبل أيام كنيسة المهد (مهد ولادة المسيح) في الاراضي الفلسطينية على قائمة التراث العالمي، تجاوبا مع طلب فلسطيني. ومرة لأنها منحت قبل ثمانية اشهر دولة فلسطين العضوية الكاملة، رغم التهديد الاميركي بقطع التمويل.
ومرة ثالثة لأنها أيقظت الرأي العام العربي، والحكومات العربية بالطبع، على حقيقة منسية منذ زمن هي ان القضية الفلسطينية لا تزال حية ترزق، ولو انها ـ بفعل احداث “الربيع العربي” ـ لم تعد هي الحدث في الاعلام اليومي.
وشكرا للمغرب بشخص العاهل المغربي محمد السادس الذي اعلن عن انزعاجه الكبير من التقارير التي تفيد ان الفاتيكان واسرائيل عازمان على توقيع اتفاق يتصل بالقضايا الضريبية والمالية للممتلكات الكنسية في فلسطين المحتلة، لأن ذلك سوف يقود في النهاية الى اعتراف فاتيكاني بالسيادة الاسرائيلية على القدس الشرقية. في اعقاب هذا الانزعاج اكد الفاتيكان ان شيئا لم يتغير في موقف الكرسي الرسولي من القدس، وأن الاتفاق الذي يتم التفاوض حوله يشمل انشطة كنسية خارج القدس الشرقية، وسوف يوقع ايضا مع منظمة التحرير الفلسطينية.شكرا للفاتيكان، وشكرا للمغرب، لأننا نخاف على القضية أن تتهمش في الزمن العربي الجديد، بعدما انتقلت عدوى ما سمي بـ”الربيع العربي” الى واجهة الاهتمامات الرسمية والشعبية، على حساب القضية الاولى، قضية فلسطين، وهي ليست ذلك “الشأن الآخر” الذي لا يعنينا.
القضية الفلسطينية هي نحن منذ ولدنا، وستبقى هاجسنا الاول، وهو هاجس ـ نذر في اعناق اطفالنا الذين ولدوا والذين لم يولدوا بعد.
والمقدسات المسيحية كما المقدسات الاسلامية، من الناحية الدينية كما من الناحية الوطنية، جزء لا يتجزأ من الحق العربي في فلسطين وهو حق مقدس لا يحتمل اي مساومة.
ومواكب الشهداء التي تتزاحم على نيل الشرف العظيم في الدفاع عن هذه المقدسات حقيقة تاريخية لا يجادل فيها احد، والقدس المدينة هي نهاية رحلة الاسراء الارضية وبداية رحلة المعراج السماوية، وهي صلة الوصل بين الارض والسماء على مرّ الدهور.
بالمناسبة نطرح سؤالاً:هل يدخل “الربيع العربي” القضية الى شتاء النسيان، لأن الدول العربية التي تشهد تطورات داخلية عنيفة سوف تظل مشغولة بهذه التطورات لفترة طويلة، ام ان الانظمة الجديدة لا تستطيع ان تتجاهل مسألة مصيرية في حجم فلسطين؟
في الاجابة عن هذا السؤال يمكن القول ان “الربيع العربي” انتج حتى الآن حكومات غير مستقرة، لا تملك نهجا سياسيا وقوميا واضحا، وهي مشغولة بضغوط الشارع والضغوط الاقليمية والدولية، ومحكومة بالتركيز على الملفات الداخلية المعقدة في المرحلة الانتقالية.
لكن حكومات “الربيع” يمكن، في الوقت نفسه، أن تشكل فرصة تاريخية لمراجعة مرحلة ما قبل “الربيع العربي”، أو ما يسمى “النظام العربي الاقليمي” الذي كان ولا يزال، منذ اكثر من ستة عقود، عاجزا عن تحرير شبر واحد من فلسطين.
ويقيننا ان الفلسطينيين يملكون ما يكفي من الخبرة والدراية للتعامل مع المشهد العربي الجديد، ولن يظلوا وحدهم في المواجهة.
وحكومات ما بعد “الربيع”، ومهما تعثرت في رسم خططها التنموية والاستراتيجية، لا بد من أن تهتدي في نهاية المطاف الى الطريق السوي في التعامل مع القضية، ولن تكون بالتأكيد اسوأ من الحكومات السابقة.
لماذا؟ لسبب بسيط جدا هو ان ليس هناك اسوأ من تلك الحكومات في التاريخ العربي المعاصر.