كان حلمه أن يحكم سوريا ولو ليوم واحد، ولو أنه مات بعد هذا اليوم، وحققوا له ما أراد. حكم مئة وسبعة وثلاثين يوماً، باسم فلسطين، قبل أن ينقلبوا عليه. والذين أعدموه قالوا إنه كان متواطئاً مع ديفيد بن غوريون، وكان ينوي عقد صفقة لاسكان الفلسطينيين في سوريا. انه حسني الزعيم الذي حكم ومات على اسم فلسطين. وللتذكير فإن الرجل هو بطل أول انقلاب عسكري في تاريخ سوريا المعاصر. وبعده، وعلى امتداد نصف قرن تقريباً أو يزيد، فإن كل الذين تعاقبوا على الحكم في المنطقة، ومعظمهم انقلابيون، كانوا يتسلمون السلطة باسم تحرير فلسطين، لكن أحداً منهم لم يستعد حتى اللحظة شبراً واحداً من فلسطين المحتلة، أو من الأراضي التي احتلت في حروب التحرير.
ولست أعرف حاكماً عربياً واحداً استطاع أن يحمل الدفء والطمأنينة الى قلب أم فلسطينية تنام مع عائلتها في العراء، أو الى قدمي طفل فلسطيني في مخيم يلفه الصقيع. كلهم جاءوا الى السلطة، بل الى الزعامة القومية احياناً، باسم فلسطين واستعادة الحقوق الفلسطينية، وظلوا أوفياء لمسألة واحدة هي «الخطاب التحريري الثوري»، وهو خطاب سمح لهم بتكديس ثرواتهم وترسيخ زعاماتهم، من دون أن يتبدل شيء في أحوال فلسطين وأحوال الفلسطينيين. منذ أربعة وستين عاماً وفلسطين في محطة الانتظار العربي، وهو انتظار بائس إلتهم ثلاثة أجيال فلسطينية وتوسعت معه رقعة المنافي.
وآخر النماذج- غير العربية هذه المرة- رجب طيب اردوغان، الذي يحلم بأن يملأ كل الفراغات العربية بخطاب «عربي» جديد. اسمعوا: جرحكم جرحنا وقد آن لهذا الجرح أن يبرأ (…) ان قضية فلسطين هي قضية الشرق الأوسط، وقضية الشرق الأوسط هي قضية الدنيا. أنا مسلم ومن واجبي نصرة الحق الفلسطيني! نفاق جديد؟ ربما، لكن ما يبدو بالغ الوضوح هو أنه نفاق ذكي، وفي لحظة اقليمية مؤاتية.
ورئيس الوزراء التركي ينضم بخطابه الجديد الى قافلة الزعماء العرب (والمسلمين أحياناً) الذين ضمنوا استمرارهم في الحكم عن طريق خطابهم الفلسطيني، ثم ضمنوا استمرار اسرائيل في التوسع، عن طريق سياساتهم الاستراتيجية المتحالفة مع الغرب. تريدون أمثلة على هذه السياسات «الواقعية» «البراغماتية»؟ اليكم بعض الأمثلة:
«وحدة عربية بلا فلسطين جسم ناقص مشوه، وفلسطين خارج الوحدة جسم مبتور». أحمد الشقيري (1943).
«تدويل القدس غاية في الغرابة وعدم الاتزان في الغايات الوطنية وسنقاوم هذا التدويل». الملك عبد الله (1947)
«لا نستطيع أن نتصور أي تسوية لا تشمل عودة القسم العربي من مدينة القدس الينا، بما في ذلك جميع الأماكن المقدسة». الملك حسين (1969)
«على اسرائيل الانسحاب من القدس العربية وإلا استحال التوصل الى السلام». جمال عبد الناصر (1969)
«نصر على تحقيق الانسحاب الكامل من الأرض العربية، بما في ذلك القدس العربية». أنور السادات (1977)
«القدس مفتاح السلام ومدخل للحروب والويلات والاستحواذ عليها منطق مرفوض». الملك عبد الله الثاني (2000)
هل نزيد؟
جمال عبد الناصر كان يرى أن تسوية الصراع تتمثل في استعادة الأراضي العربية المحتلة في العام 1967، وتجميد الخطر الاسرائيلي في حدود قرار التقسيم الصادر في العام 1947، باعتبار أن اقتلاع الوجود الاسرائيلي مسألة طويلة الأجل. والمبادرة العربية للسلام اكتفت باقامة دولة فلسطينية على حدود 4 حزيران 1967، لا أكثر ولا أقل، مع المطالبة باستعادة الأراضي المحتلة في الحروب المتعاقبة.
اليوم مات المشروع الناصري بالسكتة القلبية، وقضى المشروع العربي بالسكتة السياسية، والفلسطينيون يقفون عراة إلا من ايمانهم، في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل تذكير العالم بأن قضية فلسطين لم تمت بعد. وفي حيفا يتجمع فريق من اليهود حول الدوار الرئيس لحي «رمات بيغن». هناك أطلقوا اسم أنور السادات على شارع قريب…. وفلسطين في البال.
على اسم فلسطين
by
Tags: