أزمة دولة

أبحث عن الدولة في العالم العربي الواسع فلا أجدها.
المساحات العربية التي قطعها اتفاق «سايكس بيكو» الى مساحات أصغر سماها دولاً، كلها تعيش حالة انسداد وغموض وتأزم سياسي، وتتطلع منذ عقود إلى مشروع نهوض وصعود واستقرار يستجيب لبناء تنموي معافى، وكلها تعاني من أنظمة سلطوية تتمدد على امتداد «الدول» الجديدة.
إنه المأزق الكبير الذي يختصر المشادات القائمة بين من هم فوق ومن هم تحت في «القارة العربية» الكبرى.
الدول العربية كلها، من دون استثناء، تقف اليوم على منعطف تاريخي وتبحث عن مخارج ملائمة لتصحيح مساراتها، وإعادة تركيز هذه المسارات على أسس سليمة.
وسواء تم التصحيح بـ«ثورة إصلاحية» تتولاها النخب الحاكمة، أو عن طريق تداول السلطة، أي على يد النخب المعارضة، فإنه تصحيح لا يمكن تأجيله.
كل تأجيل يعني دعوة القوى الخارجية الطامعة في الثروات العربية الى التدخل وتقرير مصائر الشعوب العربية بقوة الفتنة وقوة السلاح.
قبل أشهر قليلة أقام مركز دراسات الوحدة العربية ندوة حول «أزمة الدولة في الوطن العربي» تستوقفني فيها بعض الحقائق:

  • ان معظم الدول العربية تمارس سلطة أمنية على الواقع الاجتماعي ولا تقوم بدور الدولة الحقيقي.
  • الدولة القائمة في معظم البلدان العربية مجرد سلطة لا دولة، والسلطة يختصرها الحاكم الفرد أو أسرة تتوارث الحكم، في غياب مقومات الدولة المدنية، وفي غياب المشاركة السياسية والمساواة والمجتمع المدني الفاعل.
  • الحركات الاسلامية (وهي المعارضة شبه الوحيدة) قد تجيب عن الأسئلة المتصلة بالثروات والبيئة ومخاطر القلق على المصير، لكنها لا تملك تصوراً لبنية الدولة الحديثة ومؤسساتها وأنظمتها وتقنياتها… لسبب بسيط هو أن الدولة الحديثة دولة مدنية لا دولة دينية.
  • غياب المشاركة السياسية مشروع حروب أهلية والقوى الأمنية لا تقدم الحل، لأن الحل هو دولة المواطَنة لا دولة الرعايا.
  • إن فصل الدين عن السياسة الذي شكل الأساس في انطلاقة الدولة الحديثة في أوروبا، مسألة تستحق التأمل، وهي ـ بكل أسف ـ ليست مطروحة في أجندة القوى الاسلامية ولا القوى التقليدية العشائرية.
  • معظم الدول العربية تعيش أزمة مزدوجة: الرهان على القوى الأمنية والافتقار الى الشرعية الشعبية، والرهان على الحماية الخارجية ومحاولة استدراج القوى العظمى الى استعمار جديد، والرابط كبير بين ضعف الدولة والتدخلات الخارجية.
  • لا إصلاح من دون صدقية، ولا صدقية من دون شرعية، والحوار المطلوب بين النظام ورافضيه يفترض أن يؤسس على اعتراف النظام بوجود أزمة، لا محاولة تأليه الحاكم الأوحد من أجل تعميق هذه الأزمة.
  • غياب الوعي القومي، وهو الوعي العميق للذات العربية، هو الذي يؤسس للانقسامات الاتنية والدينية والثقافية، ويضع حجر الأساس لمشاريع تفتيت المنطقة العربية، وهو المسؤول الأول عن صعود الإسلام السياسي.
    هذه، باختصار، هي عناوين الأزمة التي تعيشها المجتمعات العربية منذ عقود، وهي «أزمة الدولة» في نهاية المطاف.
    الدولة التسلطية، الدولة السلطانية، الدولة الدينية أو العنصرية، كلها أشكال حكم ولّت، والدولة الحديثة تولد في عقول الحكام قبل أن تولد في عقول الناس وفي عواطفهم.
    وفي غيابها تطول الأزمة وتتوالد وتتفجر ويستحيل كل حوار

Posted

in

by