الرحلة تشبه من حيث الشكل رحلة البابا يوحنا بولس الثاني الى الأراضي المقدسة, لكن بفوارق كبيرة.
يوحنا بولس الثاني كان أول بابا يزور كنيساً يهودياً ويعترف بدولة اسرائيل, ويعتذر عن دور المسحييين في «المحرقة» النازية, وقد استقبل بحفاوة.
بنديكتوس السادس عشر هو الثاني, لكن استقباله كان مختلفاً.
اليهود, او بعضهم على الأقل, يتهمون البابا الحالي بأنه يفكر جدياً في تطويب البابا بيوس الثاني عشر قديساً, بغض النظر عن المحرقة.
والبابا بيوس الثاني عشر متهم بأنه كان له دور, أو أنه تغاضى على الأقل, عن المحرقة المزعومة.
والمسألة لا تقتصر على رفع بيوس الى مرتبة القديسين. المسألة تتعلق بجروح لم تندمل بعد بين اليهود والكاثوليك.
موقع اسرائيلي على الانترنت يشرف عليه مؤيدون لكاديما, رفع صورة للبابا بنديكتوس السادس عشر وعليها صورة الصليب المعقوف. وقد تدخلت رئيسة الوزراء السابقة تسيبي ليفني لإزالة الصليب.
والاهانة لم تقتصر على هذا الصليب.
الذين رافقوا رحلة البابا الى فلسطين المحتلة يقولون ان موجة العداء التي انفجرت في وجهه تجاوزت كل حدود المعقول في الأعراف الدبلوماسية.
الهجوم لم يقتصر على قوى اليمين المتطرف, بل شمل عدداً كبيراً من الوزراء والنواب الاسرائيليين داخل الكنيست, وقيادات دينية رسمية وغير رسمية. وبلغت الأمور حداً طالب معه البعض بتقديم شكوى ضده تطالب باعتقاله ومحاكمته بتهمة سرقة كنوز يهودية, فضلاً عن تعييره بأنه ألماني عايش الفترة النازية.
وقد خرج الناطق بلسان الفاتيكان, فيدريكو لومباردي, عن طوره وهو يصد هذه الهجمات,وراح يوبخ الاسرائيليين, صحافة وسياسيين, ويقول: انتم لا تعرفون عادة الاصغاء, ولا تضعون حدودا لطلباتكم!
وقد اتسعت حلقة الهجوم الاسرائيلية بشكل معيب. نائب يدعى ميخائيل بن آري (حزب الاتحاد القومي ) قال ان البابا عدو اسرائيل واليهود, وهو لا يأتي الى اسرائيل بأيد نظيفة. انه معاد للسامية وعضو سابق في الشبيبة النازية الالمانية, والكنيسة بقيادته تواصل اتهام اليهود بقتل المسيح.
احد ناشطي اليمين المتطرف باروخ مارزل قال ان على اليهود «اصحاب الأرض» ان يرفضوا الزيارة لأنها تعزز مكانة المسيحية في الارض المقدسة, علماً ان المسيحيين هم الذين سلموا المدينة الى الخليفة عمر بن الخطاب في عهد البطريرك صفرونيوس مشترطين ألا يساكن العرب فيها اي يهودي.
دوف آنشتاين (متطرف آخر) قال ان المسيحية أخطر على اليهود من الاسلام, لأنها مسؤولة عن محاولات ابادة اليهود. وأضاف: لولا المسيحية لكان عدد اليهود اليوم نصف مليار نسمة في العالم, وهذا يفسر سبب عدم اعتراف اليهودية بالمسيحية حتى الآن.
قادة يهود آخرون, بينهم داني باز (عقيد سابق في الجيش) قالوا: ليس في التاريخ البشري تنظيم ارهابي أكبر وأخطر من الكنيسة الكاثوليكية, وقائد هذه الكنيسة اليوم البابا بندكتوس رجل مجرم!
هل نزيد؟
الزيادة قد لا تضيف شيئاً. العداء بين الكاثوليكية واليهودية عداء تاريخي. المسيحيون الحقيقيون مؤمنون بأن اليهودية دين من الماضي, وبأن مجرد مجيء المسيح يعني نهاية اليهودية.
والقيادات الدينية المسيحية الواعية مقتنعة, عقائدياً وسياسياً, أن دولة اسرائيل اليوم تلحس دماءها, وبأنها دولة على طريق الزوال.
ومحمود أحمدي نجاد يقولها على طريقته: اسرائيل الى زوال.
يبقى سؤال: متي يدرك زعماء الغرب المسيحي كل هذه الحقائق؟
متى يدرك مسيحيو لبنان والمسيحيون العرب أن قدرهم التاريخي أن يكونوا أعداء لاسرائيل, واعداء حقيقيين؟
متى يخرج المسيحيون, في النظرة الى اسرائيل, من الدائرة الرمادية؟