ريشار لابفيير

سرّحوه لأنه أجرى مقابلة مع الرئيس السوري بشار الأسد, من دون استئذان رؤسائه في «اذاعة فرنسا الدولية».
انه ريشار لابفيير أحد رؤساء التحرير في الاذاعة, وقد قصد بيروت كي يعرض الظلامة التي تعرض لها ويشرح ظروف تسريحه بشكل تعسفي على خلفية آرائه.
وكي نتعرف اليه أكثر نتوقف عند بعض هذه الآراء.
في كتابه الأخير «الانقلاب الكبير­ بغداد­ بيروت» كشف لابفيير ان الرئيس الفرنسي جاك شيراك اخبر الرئيس الأميركي جورج بوش أن النظام السوري سوف ينهار بمجرد صدور القرار 1559 المتعلق «بالتدخل الاجنبي في لبنان» الذي صدر في 2 أيلول 2004.
في الكتاب اياه قال ان قادة الدول الصناعية الثماني توقعوا في قمتهم الأخيرة إجهاز الجيش الاسرائيلي على «حزب الله» في خلال ثلاثة او اربعة أيام, الأمر الذي لم يحصل.
في الكتاب اياه يكشف الزميل الفرنسي ان السفير الاسرائيلي في باريس دانييل شك طلب من الادارة تنحيته من مهمة اعداد الافتتاحية اليومية للاذاعة لأنه «منحاز الى القضايا العبرية». في الوقت نفسه تعرض اكثر من مرة للتهديد بالقتل عبر المكالمات الهاتفية, من جانب منظمات اسرائيلية شبه مسلحة تنشط في فرنسا, لكنه لم يتأثر بهذه التهديدات.
اكثر من ذلك, يقول لابفيير ان جانباً من سياسات الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك يمكن فهمه من خلال قراءة خلافات أهل اليمين الفرنسي, بصورة خاصة خلافات شيراك­ ساركوزي حول السياسات الاميركية­ الاسرائيلية, الأمر الذي دفع شيراك الى الاندفاع ضد توجهات ساركوزي وزير داخليته القوي يومذاك.
ولا يغفل الرجل الكشف عن «سر» يعرفه معظم الناس والفرنسيون جميعاً بكل تأكيد, وهو ان الرئيس الراحل رفيق الحريري موّل جانباً اساسياً من نفقات حملات شيراك الانتخابية, وحملات حزبه, بالتنسيق طبعاً مع المملكة العربية السعودية. ويقول لابفيير أيضاً ان بين الأسباب التي دفعت فرنسا الى الانعطاف في اتجاه الخط الأميركي­ الاسرائيلي غياب ياسر عرفات رمز القضية الفلسطينية ووصول محمود عباس الى رأس السلطة, وهو في نظر شيراك وساركوزي معاً لا يتمتع بمؤهلات القيادة.
أين كنا؟
كنا نقول ان ما يجري في «اذاعة فرنسا الدولية» يثير الاهتمام­ او ينبغي ان يثير­ لأن تسريح ريشار لابفيير هو الجزء العائم من المعركة التي تدور بين الهيمنة الاسرائيلية على وسائل الاعلام الفرنسية (واستطراداً الاوروبية والأميركية) ومحاولة عدد من الزملاء الذين يرفضون هذه الهيمنة التصدي لها.
ومن موقعي­ بعدما امضيت اثنتي عشرة سنة في باريس­ اعرف تماماً طبيعة هذا الصراع, وقد عاينته بنفسي وسوف يأتي يوم اكشف فيه بعض تجاربي مع الضغوط الاسرائيلية التي تهدف اولاً وأخيراً الى اسكات كل صوت عربي او متعاطف مع العرب في فرنسا.
اكثر من ذلك. أعرف زملاء لبنانيين وعرباً تسلموا مواقع حساسة جداً في «وكالة الصحافة الفرنسية» ووسائل الاعلام الفرنسية الرسمية وغير الرسمية, لأنهم تواطأوا ضد العرب والفلسطينيين وتعاونوا مع «اللوبي الاعلامي اليهودي» في باريس واكثر من عاصمة عربية, في الوقت الذي تم استبعاد الاعلاميين الملتزمين بالقضية الفلسطينية او القضية القومية والدفاع عن المصالح العربية.
ولن أطيل كي لا اتهم بالتبجح, لكن كتباً فرنسية عدة صدرت خلال المرحلة التي عملت خلالها في باريس, تتحدث عن «اللوبي الاعلامي العربي» في فرنسا, وتورد اسمي في رأس اللائحة.
أقصد بهذه «الخبريات» أنني افهم تماماً مشكلة ريشار لابفيير وزملائه الذين يتعرضون لأبشع انواع الضغوط من اجل اجبارهم على وصف القدس بأنها عاصمة اسرائيل, ووصف جدار الفصل بأنه حاجز امني لحماية الاسرائيليين الأبرياء, والتأكيد على أن الجندي الاسرائيلي ذو اخلاقيات عالية تمنعه من قتل المدنيين نساء واطفالاً وشيوخاً, كما تمنعه من تدمير البنى التحتية المدنية.
هذه الضغرط هي التي ادت وتؤدي الى اختفاء كل الأصوات الفرنسية المناهضة لاسرائيل من «اذاعة فرنسا الدولية» وبقاء الاصوات العربية «المتعاونة» أي التي درجت على اعداد تقارير دورية لاجهزة المخابرات الفرنسية والاسرائيلية معاً.
انها «حرية التعبير» في فرنسا, وهي «حرية» في اتجاه واحد.


Posted

in

by