لم يعد السؤال: هل يأتي عمرو موسى أم لا؟
السؤال صار: ما هي التغيرات الاقليمية المرتقبة التي يمكن ان تسمح بتمرير «الحل العربي»؟
استطراداً: هل ان لبنان هو فعلاً «عقدة المنشار» في وجه انعقاد القمة العربية، وهل ان الصراعات العربية العربية بلغت مرحلة اللاعودة؟
الاجابة عن السؤالين تبدو ممكنة اذا افترضنا ان الخلافات السورية السعودية ناتجة من اصطفاف استراتيجي في المنطقة، محوره الاساسي ايران لا لبنان، وأن الصراع الكبير حول الادوار الاقليمية ومناطق النفوذ هو صراع بين واشنطن وطهران في مثلث الخليج قزوين الهلال الخصيب، وهو صراع حيوي جداً بالنسبة الى الادارة الأميركية.
موقع دمشق في هذا الاصطفاف بالغ الاهمية، ومن يربح سوريا يربح الرهان، ومن يخسرها تضعف مواقعه في المبارزة. ومن هنا تكتسب قمة دمشق بعداً أمنياً استراتيجياً الى جانب بعدها السياسي. والمسألة لم تعد أي دور تلعبه سوريا في القرار العربي، بقدر ما باتت أين موقع سوريا في المواجهة الاقليمية؟
من هنا الكلام السعودي المتكرر مباشرة ومداورة عن ان «لا قمة عربية من دون رئيس لبناني»، فالحل العربي في النهاية هو حل سعودي مصري صيغت بنوده في القاهرة، ضمن منطق الاصطفافات الاقليمية، بعد سقوط المعادلة القائلة بأن القرار العربي يصنع في القاهرة ودمشق والرياض.
والموقف السعودي من سوريا بات معروفاً، والفصول المكشوفة منه أقل اهمية من الفصول المستورة، وآخر تجليات هذا الموقف ظاهرة في دعوة المملكة رعاياها الى تجنب السفر الى لبنان، خلافاً للمألوف في السلوك السعودي الدبلوماسي.
بكلام آخر، ان سوريا والسعودية مضافاً اليهما مصر، شكلتا قاعدة صلبة للاستقرار الاقليمي طوال العقود الثلاثة الاخيرة، رغم العواصف العاتية التي عصفت بالمنطقة منذ العام 1967. قبل بروز هذا المثلث كان القرار العربي محور تجاذب بين القاهرة والرياض اللتين خاضتا منذ العام 1956 مجابهات قاسية.
مع الرئيس حافظ الاسد تبدل المشهد وقاد المحور السوري السعودي المصري المنطقة بجدارة، كل في مجاله الحيوي، على اساس تقاسم المصالح، ولم تعد شعرة تسقط من رأس اي بلد عربي إلا بموافقة هذا المحور.
لكن التحالفات تبدلت منذ العام 2000، والخلافات تعمقت منذ العام 2005، مع تبدل الاطلالة الاميركية على المنطقة من جهة، والانسحاب السوري من لبنان والشراكة الاستراتيجية بين سوريا وايران من جهة اخرى.
وبعد غزو العراق ولدت خريطة سياسية جديدة في المنطقة احيت الصراع ضد سوريا وعلى سوريا.
والأمر لم يعد مرهوناً باحتمالات المصالحة بين دمشق والرياض، بقدر ما بات مرهوناً لتراقص العلاقات السورية الأميركية وارهاصات الحرب الباردة التي تخوضها موسكو مع واشنطن على امتداد المنطقة، كما على امتداد مناطق النفوذ السوفياتي السابق.
وفي حمى التجاذبات الاقليمية والدولية، تحاول موسكو وواشنطن معاً اجتذاب سوريا الى تحالف يعزز الرهانات الروسية في مواجهة الرهانات الأميركية، والعكس صحيح.
أين تقف سوريا في النهاية؟
الجواب المباشر هو أنها تقف مع سوريا، اي الى جانب مصالحها السياسية والأمنية معاً، في الوقت الذي تحاول واشنطن استدراجها الى مفاوضات بلا أرض، مثلما تحاول استدراج الفلسطينيين الى مفاوضات بلا دولة، واستدراج العرب جميعاً، الى تطبيع بلا مقابل.
وفي انتظار جلاء المعادلة تحاول موسكو تعميق تحالفها مع بكين، واعادة تصويب صواريخها العابرة للقارات نحو اوروبا الغربية، واستئناف انتاج القاذفات الاستراتيجية والصواريخ المتطورة، وأخيراً البحث عن حلفاء اقوياء في المنطقة الممتدة بين بحر قزوين وافريقيا الوسطى… مروراً بالشرق الأوسط.
هذا التحول الروسي وجد ضالته في سوريا، كما وجدها في ايران، وصفقات الصواريخ الأخيرة كما المشروع النووي الايراني، دليل واضح على هذه الحقيقة.
والاستقطاب الحاد المتصاعد لا يضع القمة فقط موضع تساؤل، بل يضع المنطقة قبل القمة على منعطف كبير.
وفي انتظار ربيع القمة كل شيء يدل على ان لبنان دخل «صقيع» الحل العربي.