عندما انتهت الحرب الأفغانية بانسحاب القوات السوفياتية في العام 1989, وجد 16 الف مقاتل عربي كانوا قد تطوعوا لـ «الجهاد ضد الروس» انفسهم بلا عمل, فبدأوا مسيرة الهجرة بحثاً عن «حروب بديلة».
من بين هؤلاء النازحين الذين اطلق عليهم اسم «الأفغان العرب», (معظمهم من السعوديين) اختار بضعة آلاف القتال ضمن الفصائل الأفغانية حتى سقوط كابول في العام 1992. بعدها استقر عدد كبير على الحدود الباكستانية الافغانية ليشكلوا بداية تنظيم «القاعدة», فيما هاجر الباقون الى جبهات اخرى كالبوسنة وكشمير والشيشان والصومال وطاجيكستان, ليخوضوا «جهاداً» جديداً في ساحات الحروب الاسلامية, واختارت اعداد اخرى اللجوء السياسي في اوروبا الغربية, فيما آثر آخرون العودة الى بلدانهم الاصلية لفتح جبهات جهادية ضد الأنظمة والحكومات القائمة.
منذ ذلك الوقت صارت «القاعدة» في كل مكان, وصار «المجاهدون» اكبر حزب مسلّح في الشرق الاوسط وشمال افريقيا وآسيا وبعض الدول الاوروبية.
وعلى طريقة «أطباء بلا حدود» و«صحفيين بلا حدود» بدأ هؤلاء المجاهدون «حرباً بلا حدود» تحت شعارات ومسميات مختلفة.
انهم ارهابيو العقد الأخير من القرن الفائت والعقد الاول من القرن الحالي, داخل المنطقة العربية وخارجها, وحصة العراق بعد الاحتلال هي الحصة الكبرى.
«بلاد الرافدين» اليوم هي البؤرة الاساسية لعمل عناصر «القاعدة» تنظيمياً وفكرياً ضد القوات الاميركية وضد من تسميهم «المرتدين» و«حلفاء اليهود الصليبيين», والميليشيات الشيعية في دائرة الاستهداف.
حتى الآن لا نزال في منتصف الطريق. المسافة المتبقية التي بدأت قبل ثلاثة اسابيع في نهر البارد عنوانها الآخر «الخروج من العراق» في اتجاه سوريا ولبنان وفلسطين حصراً. «القاعدة» في بلاد الشام هي عنوان هذا الخروج.
بعد سقوط صدام توافد عدة آلاف من المتطوعين العرب الى الاراضي العراقية, وهذا ليس سراً. هؤلاء تدربوا كما في افغانستان على القتل الجماعي, وعلى نشر الفكر التكفيري الذي لا يستثني احداً من الحكام العرب او الانظمة العربية. وفي تقدير الاستخبارات الاميركية ان خريجي «المدرسة العراقية» افضل تدريباً واداء من خريجي «المدرسة الافغانية», خصوصاً على مستوى قتال المدن والشوارع والتفجير والعمليات الانتحارية وعمليات الخطف والاغتيال, وهم يبلون بلاء حسناً ضد الاميركيين وقوات الشرطة والجيش.
بعض مقاتلي نهر البارد درسوا على يد ابي مصعب الزرقاوي, والبعض الآخر على يد الظواهري, وفي اي حال هم يشكلون الدفعات الاولى من العنف العابر للحدود الافغانية والعراقية, وهو عنف تعانيه ايضاً بعض العواصم الاوروبية القريبة والبعيدة.
هؤلاء «العائدون من العراق» قبل ان تنتهي الحرب هم المشكلة الجديدة التي تواجهها المنطقة العربية وحوض المتوسط. انهم جيل جديد من التكفيريين الارهابيين وجيش من القتلة المتمرسين الذين يملكون التنظيم والتمويل والدفع العقائدي, وينشطون في بيئة ملائمة تعيش احتقانات سياسية مزمنة, وجنوحاً طبيعياً الى العنف. والدليل ان هؤلاء «العائدين» استطاعوا تجنيد العشرات بل المئات من الشبان المحليين الذين يشكلون حماية مباشرة لهم, على تعدد الساحات واختلافها.
من وسط آسيا, الى الجزيرة العربية, الى شرق افريقيا, ومن الصحراء الكبرى الى اوروبا الغربية مروراً بحوض المتوسط, اصوليون يضربون في كل مكان ويخترقون المعادلات الداخلية القائمة, باسم الافكار القاعدية الجهادية, بعيداً جداً من جبال افغانستان, وقريباً جداً من بن لادن والظواهري.
والمخيمات الفلسطينية, كما بعض المناطق اللبنانية المتشبعة من الفكر الوهابي, ساحات مفتوحة للتطرف والانقلابات الفكرية والتنظيمية, ولتصفية الحسابات المحلية والاقليمية.
وما يشهده لبنان من مآس في الاسابيع الاخيرة دليل واضح جداً على ان «العائدين من العراق» وجدوا ارضاً خصبة لتثمير افكارهم في بلد يعيش بلا ضوابط, وتعصف به «الفوضى الخلاقة» منذ بدايات استقلاله حتى الآن.
هل يأتي زمن يصح معه طرح السؤال: ما هي وجهة سفر «العائدين من لبنان»؟
الظن الراجح ان السؤال مطروح في دمشق, والظن الارجح انه مطروح في عواصم عربية اخرى. والمفارقة انه ليس مطروحاً على مستوى التنسيق اللبناني السوري, علماً ان ليس للبنان حدود اخرى غير الحدود السورية
العائدون من لبنان
by
Tags: