هل فكر أحد من المنظّرين العرب والمسلمين في رسم العلاقة المباشرة أو غير المباشرة بين الجوع والأصولية الإسلامية؟
منذ ربع قرن – أو أكثر -والعنف الإسلامي يزدهر تحت أسماء متشابهة: الأصولية الإسلامية, الإسلامية, التوحيدية, الإسلام السياسي, الصحوة الإسلامية… وما إليها. ومنذ ربع قرن والإسلاميون يتحولون إلى قوة سياسية ضاربة , وإلى القوة الوحيدة أحياناً , في إيران ومصر والجزائر وطاجكستان وباكستان وأفغانستان وفي فلسطين كما في الأردن, ولا ننسى لبنان وتركيا.
لكن أي دراسة ميدانية موضوعية لم تكشف حتى الآن عن الأسباب الرئيسة لصعود الإسلاميين أو الإسلامويين بمثل هذه الإيقاعات السريعة.
لم يقل أحد بوضوح كامل, مثلاً, ان الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية أنتج, في جملة ما أنتج, فقراً وجوعاً كافرين. الاحصاءات الأميركية تقول أن 9.15 بالمئة من أطفال فلسطين لا يشبعون, وأن 61 بالمئة من الفلسطينيين يأكلون مرة واحدة في اليوم, وأن 81 بالمئة منهم يعتمدون بصورة كاملة على المساعدات الخارجية لأن 81 بالمئة من المياه الجوفية في فلسطين تذهب إلى إسرائيل في الوقت الذي تبور الأراضي الزراعية الفلسطينية.
لم يتبدل الوضع مختلفا عندما كانت «فتح» في السلطة, والذين انتخبوا «حماس» ليسوا فقط الممانعين أو المقاومين. إنهم أيضاً – بل أولاً – الجائعون.
هل تذكرون العراق في زمن الحصار؟
نصف العراقيين شربوا, طوال أكثر من عشر سنين, مياهاً ملوثة, وربع الأطفال العراقيين الذين ولدوا ماتوا بسبب الكوليرا والإسهال وسوء التغذية. والذين لم يولدوا أكثر بكثير من الذين ولدوا.
عراق اليوم ليس فقط ضحية الحكم الدكتاتوري والاحتلال, وإنما حصيلة سنين طويلة من المآسي الصامتة المجبولة بالقهر والبؤس والفقر والقمع والتجويع والاذلال.
و«بروليتاريا» الإسلاميين قوة دفع حقيقية في المشروع الأصولي الذي يتمدد في الشرق الأوسط, كما في آسيا القريبة والبعيدة.
لكن كل هذا الكلام لا يحجب النظر عن ثلاث مفارقات كبيرة:
* الأولى أن «النظام العالمي الجديد» الذي تقوده واشنطن نظام قاتل. الغذاء الموجود في العالم, بشهادة الدراسات الدولية, يكفي لتغذية 12 مليار إنسان, أي ضعف سكان العالم, والذين يقضون جوعاً في اريتريا أو بنغلادش أو هندوراس هم ضحية غياب العدالة عن هذا النظام . حفنة من مئتي ملياردير يملكون ما يكفي لسداد ديون الدول النامية, ورغم مرور أكثر من مئتي سنة على الثورة الفرنسية لا يزال الإقطاعيون يحكمون العالم, لأن الشركات الكبرى تمسك بعنق الاقتصاد العالمي.
* الثانية أن الاستقلالات العربية منذ أكثر من نصف قرن لم تحقق أي قدر من العدالة الاجتماعية, والانضواء إلى «الإسلاموية» أشبه ما يكون بالانعتاق من نظام اجتماعي والبحث عن نظام بديل, وفقراء الطبقات الوسطى هم الأكثر اندفاعاً إلى تبني الطروحات الأصولية في وجه دكتاتورية العسكر وإقطاع الحكام. والأصولية في مصر ولبنان والأردن, كما في مدن الصفيح الخليجية, مرادف للتخلص من البؤس, تماماً كالعمل في الخارج الذي بات شرطاً مسبقاً للزواج. الإسلام الراديكالي هنا حركة اجتماعية بقدر ما هو حركة دينية, تماماً كالأصولية الهندوسية والاشتراكية الماركسية. إنه دين الجائعين.
* الثالثة أن تمويل الحركات الأصولية تمويل سياسي, لأن هذه الحركات تقود اليوم مسيرة المعارضة والتغيير في العالمين العربي والإسلامي. إنهم «الجيش البروليتاري» الجديد في وجه «المحافظين الجدد» أميركيين وعرباً, ومع انهيار التيارات القومية والاشتراكية هم قوة التغيير الوحيدة.